
فطيرة والحاجز ، بقلم : د. وليد العريض
كانت فطيرة ابنة التسعة أعوام، تخرج كل صباح من بيتها في قريةٍ قريبة من القدس تحمل حقيبتها الوردية الصغيرة وعلبة فطورها المعدنية التي نقشَت عليها أمّها بخطٍّ رقيق:
“احفظي قلبكِ صغيرًا يا فطيرة ولا تخافي من الطريق.”
كانت تحبّ الطريق إلى مدرستها، رغم أن في منتصفه حاجزًا رماديًّا يفصل بين بيتها والمدرسة.
حاجزٌ لا يعرف الضحك، ولا يعرف الأطفال ولا يعرف سوى الأوامر.
في كل صباحٍ، كانت تمرّ بخطواتٍ متردّدة،
يوقفها الجنديّ
ليسألها كعادته:
“ماذا في الحقيبة؟”
فتفتحها وتقول ببساطة: “كتبي، وممحاة على شكل قمر.”
ثم يسألها عن العلبة المعدنية،
فتقول: “فطيرتي التي خبزتها أمي.”
ينظر إليها الجنديّ، يتفحّص العلبة، يشمّ رائحة الخبز الساخن،
ثم يعيدها إليها بملامح جامدة.
لكنها في ذلك اليوم – كان صباح خميسٍ بارد –
فتحت العلبة وقطّعت فطيرتها نصفين، وقالت له:
“خذ نصفها يا عمّ الجندي، فليس في الحرب فطور.”
ارتبك الجندي.
تردّد قليلًا، ثم قال بصوتٍ خافت:
“لا… لا آكل من خبز العدو.”
ضحكت فطيرة وقالت:
“أمي قالت إنّ الخبز لا يعرف العدوّ… يعرف الجوع فقط.”
صمت الجندي.
لم يعرف بماذا يجيب.
نظر إلى وجهها الصغير الذي يشبه الورد حين يخرج من بين الشوك،
ثم رفع يده وأشار لها أن تمضي.
مرّت فطيرة وهي تلوّح له بنصف الفطيرة الآخر.
وفي اليوم التالي، حين عادت وجدته في مكانه،
لكنّه لم يسألها هذه المرّة عن حقيبتها.
بل قال لها من بعيد:
“مرّي يا فطيرة… وأبلغي أمّكِ أن خبزها يشبه السلام.”
وفي المساء، حين روت لأمّها ما حدث،
قالت الأمّ
“يا ابنتي، ربما ينهار الحاجز يومًا…
لا بالرصاص، بل بقطعة فطيرٍ ووجهٍ بريء.”
ومنذ ذلك اليوم صارت فطيرة تأخذ فطيرتين:
واحدةً لمدرستها… وأخرى للحاجز الذي ربما بدأ يلين.
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .