
لبنان الرسمي بين مطرقة إسرائيل وسندان حزب الله ، بقلم : محمد زيات
مقدمة
يقف لبنان اليوم في مرحلة حساسة وصعبة للغاية، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع الضغوط الإقليمية والدولية، مهددة استقرار الدولة الرسمية، مما تهدد قدرتها على ممارسة سيادتها وفرض قوانينها، إن الدولة اللبنانية التي لطالما عانت من ضعف مؤسساتها وهشاشة سلطتها بسبب الكثير من العوامل التي لا حصر لها، تجد نفسها تحت تهديد مزدوج: فمن جهة، التهديدات والتلويحات الإسرائيلية المتصاعدة والتي تشير إلى إمكانية تحرك عسكري إذا لم يتم نزع سلاح حزب الله، ومن جهة أخرى، حزب الله الذي يعتبر نفسه قوة حماية للبنان ولا يُظهر أي نية للتخلي عن ترسانته العسكرية والذي أكد بآخر تصريحاته أنه لن يسلم سلاحه للدولة اللبنانية رغم كل الضغوط.
هذا الوضع يجعل لبنان الرسمي بين “المطرقة” الإسرائيلية و”السندان” الداخلي المتمثل في حزب الله، ويهدف هذا المقال التحليلي إلى تقديم قراءة معمقة لموازين القوى الراهنة، وتحليل السيناريوهات المستقبلية المحتملة، مع اقتراح خيارات استراتيجية للحفاظ على الاستقرار الوطني.
إطار نظري ومفاهيمي
لكي نستطيع فهم تعقيدات الوضع اللبناني، من الضروري تحديد مفهوم الدولة الرسمية في لبنان، فالدولة الرسمية هي المؤسسة التي تمثل السلطة الشرعية، والقادرة على تنظيم الحياة السياسية، وفرض القانون، وإدارة الموارد الوطنية، لكن في لبنان، تواجه الدولة تحديات مركبة: مثل الانقسامات الطائفية والسياسية، وضعف البنية الاقتصادية، والوجود الفعلي لقوى مسلحة موازية للدولة أو قد تفوق قوتها، وأبرزها حزب الله.
إن حزب الله لا يُعد مجرد قوة مسلحة فحسب، بل يعد كيان سياسي وإجتماعي قائم بذاته، وله حضور واسع وقاعدة جماهرية ضخمة في لبنان، ومدعوم إقليميًا بشكل كبير من إيران، فقدراته العسكرية التي لا شك أنها تضررت وضعفت الى حد كبير نتيجة الضربات الإسرائيلية الموجعة التي تلقها خلال تشكيله لجبهة الإسناد لقطاع غزة، إلا أنه رشح وخاصة في الآونة الأخيرة الكثير من التسريبات الإسرائيلية والدولية والتي تتحدث أن الحزب يعمل بجد على إعادة ترميم هذه الخسائر وإمتصاصها، وإعادة بناء قدراته العسكرية، وفي نفس التسريبات أيضاً ذُكر أن الحزب لا يزال يتلقى الدعم العسكري واللوجستي وخاصة من إيران رغم سقوط النظام السابق الموالي لحزب الله في سوريا، إضافة إلى ذلك لدى الحزب إنتشار واسع وضخم في الجنوب اللبناني ولديه عمق إستراتيجي، كل هذا جعل منه قوة موازية للدولة الرسمية، وقد تكون قوته قادرة على التحدي المباشر لإسرائيل ولكن في الوقت نفسه تقيد الدولة اللبنانية من ممارسة سيادتها الكاملة.
المشهد الراهن
أولاً: التهديدات الإسرائيلية
في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت التهديدات الإسرائيلية تجاه حزب الله، متزامنة مع تحركات دبلوماسية وضغوط دولية متزايدة على لبنان الرسمي في محاولة دفعه إلى نزع سلاح حزب الله ولو بالقوة، فمن جهة إسرائيل ترى في ترسانة الحزب الصاروخية تهديدًا مباشرًا لأمنها القومي، ومن جهة أُخرى تقوم بالضغط ضمنيًا على الدولة اللبنانية لتقييد الحزب أو إجباره على التخلي حتى ولوعن جزء من قدراته العسكرية.
إن هذا التصعيد الإسرائيلي يأتي في وقت هشّ فالوضع الداخلي اللبناني: في إنهيار إقتصادي متسارع، وضعف في البنية التحتية، وأزمات سياسية متراكمة تجعل من أي مواجهة عسكرية محتملة أشد تعقيدًا بالنسبة للدولة الرسمية، التي تواجه أصلاً صعوبة في حماية حدودها ومواطنيها.
ثانياً: الموقف الداخلي اللبناني
الدولة اللبنانية، رغم محاولاتها المستمرة في المحافظة على الشرعية والسيطرة، تواجه قيودًا سياسية وواقعية صعبة، فالإنقسامات الداخلية بين الأحزاب والطوائف تحد من قدرتها على اتخاذ قرارات حاسمة تجاه حزب الله أو صياغة استراتيجية دفاعية واضحة ضد أي تهديد خارجي، ولا يخفى على أحد أن الجيش اللبناني يمتلك قدرات محدودة، ويعاني من نقص الموارد والقدرات اللوجستية، ويجد صعوبة في فرض الأمن على الحدود الجنوبية أو مراقبة مناطق سيطرة الحزب.
ثالثاً: موقف حزب الله
فكما أشرنا سابقاً يستمر حزب الله في تعزيز قدراته العسكرية والحفاظ على ترسانته كأداة ردع استراتيجية تجاه إسرائيل، والتصريحات السياسية للحزب تؤكد على أن السلاح جزء من منظومة حماية لبنان، وهو موقف يحظى بدعم شعبي نسبي في بعض المناطق اللبنانية، إن هذا الوضع يفرض على الدولة الرسمية قيودًا إضافية، ويزيد من تعقيد أي محاولة لإعادة فرض السلطة أو تنفيذ سياسات نزع السلاح.
رابعاً: البيئة الإقليمية والدولية
الوضع الإقليمي والدولي يلعب دورًا كبيرًا في رسم ملامح الأزمة، حيث تُعد إيران الداعم الأساسي لحزب الله، وهي تسعى جاهدة للحفاظ على نفوذها في لبنان عبر الحزب، بينما المجتمع الدولي، بما في ذلك الولايات المتحدة والدول الأوروبية، يضغط على الدولة اللبنانية لتحقيق إلتزامات معينة، خصوصًا في ملف نزع سلاح الحزب، إن هذا المزيج من الضغوط الإقليمية والدولية يزيد من صعوبة التحرك السياسي للدولة الرسمية ويحد من خياراتها.
السيناريوهات المستقبلية المتوقعة
يمكن تصور ثلاثة سيناريوهات رئيسية لمستقبل لبنان في هذا السياق:
السيناريو الأول: مواجهة إسرائيلية مباشرة
في هذا السيناريو، قد تتحرك إسرائيل بشكل عسكري مباشر، لإستهداف مواقع حزب الله وصواريخه، كرد على أي تهديد أو إستمرار سياسة الردع من قبل الحزب، وفي حال حدوث هذا الشيناريو هناك العديد من العواقب المحتملة له، تشمل دمارًا واسعًا للبنية التحتية، خسائر بشرية قد تكون هائلة وغير مسبوقة، وقد يصل الأمر إلى إنهيار مؤسسات الدولة بشكل أكبر، إلى جانب تأثيرات اقتصادية وإجتماعية جسيمة.
إن هذا السيناريو يعتمد على تقدير إسرائيل بأن إستمرار الوضع الحالي سيزيد من تهديدات حزب الله، وأن الوساطات أو الحلول السياسية لم تعد كافية لإحتواء الخطر من وجهة نظرها.
السيناريو الثاني: تسوية داخلية
في هذا السيناريو، تحاول الدولة اللبنانية الوصول إلى تفاهم مع حزب الله، وربما بوساطة دولية، بهدف إيجاد صيغة تسمح للحزب بالحفاظ على بعض قدراته العسكرية ضمن إشراف الدولة، بما يقلل من خطر التصعيد مع إسرائيل، وفي حال تطبيق هدا السيناريوقد تشمل العوائق الرئيسية إنعدام الثقة بين الأطراف اللبنانية، والضغوط الإقليمية، والتحديات الإجتماعية والإقتصادية الداخلية.
وتسوية من هذا النوع تتطلب دبلوماسية عالية المستوى وقدرة الدولة على تقديم ضمانات عملية توازن بين سيادتها وواقع القوة الداخلية.
السيناريو الثالث: إستمرار الوضع الراهن
قد يختار لبنان الرسمي الإستمرار في الوضع الحالي، حيث لا يحدث أي تصعيد مباشر ولا يتم نزع السلاح، هذا السيناريو يحافظ على توازن هش، لكنه يترك الدولة اللبنانية ضعيفة أمام الضغوط الإسرائيلية والدولية، ويؤجل اتخاذ قرارات استراتيجية حاسمة، ما قد يزيد من هشاشة الدولة ويعرضها لمخاطر مستقبلية، قد تؤدي في نهاية المطاف إلى إستخدام القوة وبالتالي الإنجرار بأي سوء تقدير من الأطراف لحرب داخلية قد يصعب على لبنان الخروج منها وتحاوزها بسهولة.
التحليل الإستراتيجي
تحليل موازين القوى يشير إلى أن لبنان الرسمي أمام خيارات محدودة، فإما المواجهة العسكرية المباشرة المحفوفة بالمخاطر، أو التسوية الداخلية والتي تتطلب قدرًا عاليًا من الدبلوماسية والمرونة السياسية، أو الإستمرار في الوضع الراهن ما قد يوفر وقتًا لكنه يعزز هشاشة الدولة ويجعلها غير قادرة على فرض سيادتها على المدى الطويل.
وقد يكون الحل الأكثر واقعية وإستراتيجية أن يكون هناك مزيج من التهدئة، والتفاوض، وتعزيز القدرات الدفاعية للدولة، مع مراقبة دقيقة للتحركات الإقليمية والدولية، هذا النهج يسمح للدولة اللبنانية بإعادة بناء سلطتها تدريجيًا، مع تقليل المخاطر الداخلية والخارجية.
إستراتيجيات مقترحة يمكن للدولة اللبنانية إتخاذها:
1.تعزيز قدرات الدولة اللبنانية: وذلك بالإستثمار في الجيش والأجهزة الأمنية لضمان القدرة على فرض سيادة القانون، ومراقبة الحدود الجنوبية.
2.إستثمار الوساطات الدولية: ويتمثل ذلك بالعمل مع الأمم المتحدة والدول الكبرى للوصول إلى حلول تفاوضية تقلل من احتمالات التصعيد العسكري.
3.صياغة إستراتيجية تفاوضية مع الحزب: إيجاد آليات تضمن التوازن بين سيادة الدولة، ووجود الحزب العسكري ضمن حدود قانونية واضحة لا لُبس فيها.
4.تحديث الخطط الدفاعية والمدنية: وذلك عن طريق الإستعداد لمواجهة أي تهديد عسكري أو أزمة داخلية ناجمة عن التصعيد.
5.التركيز على إعادة بناء الإقتصاد: عن طريق محاولة إيجاد حلول للأزمة الإقتصادية، مما يعزز القدرة التفاوضية للدولة ويقوي إستقرارها الداخلي، مما يقلل من ضغط القوى الداخلية والخارجية.
في الختام
لبنان الرسمي يعيش اليوم في مفترق طرق دقيق بين مطرقة إسرائيل وسندان حزب الله، حيث تتقاطع التحديات الداخلية مع الضغوط الإقليمية والدولية، فالسيناريوهات متعددة، وكل خيار يحمل مخاطره وتبعياته الخاصة، والتحليل يشير إلى أن أفضل سبيل للاستقرار هو مزيج من التهدئة، والتفاوض، وتعزيز قدرات الدولة، مع رصد دقيق للتحركات الإقليمية والدولية، بما يتيح للبنان الرسمي الحفاظ على إستقلال القرار وتقوية سيادته في مواجهة الضغوط الداخلية والخارجية، وأخراً يبقى السؤال الأشد إلحاحاً:- هل يستطيع لبنان الرسمي تجاوز المطرقة والسندان؟
شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .