11:58 مساءً / 27 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

مدينة إذنا (صلابة الجبل وروح كنعان الباقية) ، بقلم : دكتور خالد الطميزة

مدينة إذنا (صلابة الجبل وروح كنعان الباقية) ، بقلم : دكتور خالد الطميزة

مدينة إذنا (صلابة الجبل وروح كنعان الباقية) ، بقلم : دكتور خالد الطميزة


تقع مدينة إذنا إلى الغرب من مدينة الخليل بنحو 13 كيلومترًا، على تخوم جبال الخليل التي تنحدر تدريجيًا نحو السهل الساحلي الفلسطيني. وتمتاز إذنا بموقعها الاستراتيجي الذي جعلها عبر التاريخ صلة وصل بين الداخل الفلسطيني والمنطقة الجبلية الجنوبية بحكم موقعها على الخط الاخضر، مما منحها أهمية جغرافية واقتصادية وثقافية بارزة في المشهد الوطني الفلسطيني.


الجذور والهوية:


تُعد إذنا من أقدم المدن الكنعانية في فلسطين، وقد عُرفت في النقوش القديمة باسم “أشينه”، وهو اسم كنعاني أصيل يعني القوة والصلابة — دلالة على طبيعتها الجبلية الوعرة وعلى طابع أهلها الذين ظلوا عبر العصور مثالًا للصمود والثبات.


وقد تحوّل الاسم بمرور الزمن إلى “إدنا” ثم “إذنا”، محافظًا على صدى الأصل الكنعاني ومعناه العميق في الذاكرة الجمعية لأبنائها.


الجغرافيا والطبيعة


تتربع المدينة حاليا على مساحة تقارب 17000 كيلومترًا مربعًا بعد ان كانت مساحتها 37000 كيلو متر مربع قبل عام 1948، وتحيط بها أراضٍ زراعية خصبة مزروعة بالزيتون والتين والعنب والحبوب. ويبلغ ارتفاعها عن سطح البحر نحو 540 مترًا، ما يجعل مناخها معتدلًا يميل إلى البرودة شتاءً والدفء صيفًا.


أما موقعها الغربي المحاذي للخط الأخضر فقد جعلها من البلدات الحدودية الحساسة، وهو ما انعكس على حياتها اليومية ومجالاتها الاقتصادية والاجتماعية.


السكان والنسيج الاجتماعي:


يبلغ عدد سكان إذنا اليوم أكثر من 35 ألف نسمة، يشكّلون نسيجًا اجتماعيًا متماسكًا تتداخل فيه القيم العائلية والروح المجتمعية، ويغلب عليه الانتماء الوطني والوعي الثقافي.


وتُعرف المدينة بارتفاع نسبة التعليم الجامعي فيها، وبتنوّع كوادرها في مجالات الأمن والإدارة والهندسة والبحث الأكاديمي والثقافة والفنون، ما يجعلها إحدى أكثر مدن محافظة الخليل حيوية في مجالات العمل العام والمبادرات المدنية.


التاريخ والمقاومة:


عرفت إذنا عبر تاريخها الطويل التحولات السياسية الكبرى التي مرّت بها فلسطين، من العهد الكنعاني والروماني والبيزنطي حتى الإسلامي والحديث. وشهدت البلدة خلال فترات الاحتلال البريطاني ثم الإسرائيلي أدوارًا بارزة في المقاومة الشعبية والدفاع عن الأرض، كما كانت من البلدات الفاعلة في الانتفاضتين الأولى والثانية.


وفي السنوات الأخيرة، تصاعدت اعتداءات المستوطنين على أراضي المدينة ومواطنيها، خاصة في المناطق الشرقية والشمالية، حيث أُقيمت بؤرة استيطانية جديدة على أراضٍ قريبة جدًا من بيوت المواطنين، ما شكّل مصدر قلق دائم وخطر متزايد على الأهالي وممتلكاتهم.


الحصار والإغلاق:


منذ بداية الحرب على غزة في أكتوبر 2023، تعاني مدينة إذنا من إغلاق مداخلها الرئيسية بالبوابات الحديدية والسواتر الترابية، في سياسة عزل قاسية فرضتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي.


وقد أثّر هذا الإغلاق سلبًا على تنقّل المواطنين، وقيّد حركة العمال والطلبة، وأعاق وصول الخدمات الصحية والإسعافية، خصوصًا في الحالات الطارئة. كما زاد من كلفة المعيشة بسبب اضطرار الأهالي إلى سلوك طرق التفافية طويلة وصعبة، ما عمّق المعاناة اليومية للسكان وقلّص النشاط الاقتصادي والتجاري في المدينة.
الاقتصاد والحياة المعاصرة:


تعتمد إذنا على الزراعة والتجارة كركيزتين رئيسيتين لاقتصادها المحلي، إلى جانب العمل داخل الخط الأخضر وقطاع الخدمات العامة.


ورغم التضييق والإغلاقات، تشهد البلدة حراكًا ملحوظًا نحو التنمية الذاتية، من خلال مشاريع شبابية صغيرة، ومبادرات تطوعية تستهدف دعم الأسر الفقيرة وتحسين المشهد البيئي والاجتماعي.

التعليم والثقافة:


تزدهر في إذنا حركة ثقافية متنامية يقودها عدد من الأكاديميين والمثقفين المحليين، إضافة إلى مؤسسات المجتمع المدني مثل مركز إذنا الثقافي جمعية التعليم العالي النادي النسوي الهلال الأحمر.. الخ، والتي تسعى إلى ترسيخ الثقافة الوطنية، وتنمية المهارات الفكرية والإبداعية لدى الشباب.


كما تضم البلدة عشرات المدارس والمؤسسات التربوية التي تُخرّج سنويًا أجيالًا متعلمة وواعية تحمل رسالة التغيير والإعمار رغم الظروف الصعبة.


التحديات والمستقبل:


تواجه إذنا اليوم تحديات مركّبة، من الاستيطان والإغلاق والبطالة إلى تراجع المساحات الزراعية وضعف البنية التحتية في بعض أحيائها. ومع ذلك، فإن روح المثابرة التي تميّز أبناءها، وإيمانهم العميق بعدالة قضيتهم، يعكسان نموذجًا فلسطينيًا للثبات والإصرار على الحياة رغم القيود والحصار.


خاتمة:


إن إذنا ليست مجرد بلدة على خريطة الجنوب الفلسطيني، بل هي رمز للصلابة الكنعانية التي ما زالت تنبض في وجدان أبنائها.


هي المدينة التي ورثت اسمها من القوة، وورثت من جغرافيتها معنى الصمود، ومن تاريخها دروس البقاء. وبين الحصار والاستيطان، تواصل إذنا حكايتها الطويلة مع الإنسان الفلسطيني الذي يزرع الحياة في وجه العزلة والجدران.

شاهد أيضاً

الصين تحث المجتمع الدولي على اتباع الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن الأزمة الإنسانية في فلسطين

الخارجية الصينية : الصين تدعم قطر في استضافة القمة العالمية الثانية للتنمية الاجتماعية

شفا – قال قوه جيا كون، المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية، اليوم الاثنين، إن الصين …