4:33 مساءً / 25 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة أدبية تحليلية في “أنشودة النور الكوني ” للأديبة رانية مرجية ، بقلم : د. عادل جودة

قراءة أدبية تحليلية في “أنشودة النور الكوني ” للأديبة رانية مرجية ، بقلم : د. عادل جودة


تُقدّم رانية مرجية في “أنشودة النور الكوني” رؤية كونية شاعرية عميقة، تتجاوز الإطار الديني التقليدي لتغوص في جوهر الوجود، واللغة، والروح. القصيدة ليست مجرد نص أدبي، بل محاولة صوفية فلسفية لتوحيد المقدّس عبر لغة الحب والضوء، حيث يصبح الله فكرةً تتأمل ذاتها، والإنسان مرآةً لهذا التأمل.

تفتتح الأنشودة بنشوء الوعي الإلهي قبل الزمان والمكان، في لحظةٍ يسبق فيها التأمّلُ الخلقَ، ويسبق فيها الصوتُ المادة. هنا، لا يُخلق الكون من فراغ، بل من اشتياقٍ داخليّ في الذات الإلهية إلى “وجهه الآخر”، ما يمنح الخلق طابعًا وجوديًّا عاطفيًّا، لا مجرد فعلٍ قهريّ أو سلطة مطلقة.


ومن هذا الاشتياق يولد الصوت، ثم النور، ثم الكلمة، ثم كلّ شيء. الكلمة، إذن، ليست وسيلة تعبير فحسب، بل جوهر الوجود ذاته، بل هي الوجود.

في السفر الأول، تُصوَّر الكلمة ككائنٍ واعٍ يسأل عن هويته:


“يا الله، أأنا أنت؟”، فتجيبه الذات الإلهية بأنها “الصدر” وهو “الأنين”.
هذه الصورة البلاغية الرائعة تختزل العلاقة بين الخالق والمخلوق في تنفّسٍ واحد، بين ذاتٍ تُبدع وأخرى تُعبّر. الكلمة هنا طاهرة من الزمن والمعنى، كأنها قبل أن تُحمّل بأغلال التفسيرات البشرية، ما يوحي بأن الحقيقة الأصلية نقية، وأن التعدد والاختلاف لاحقان.

ويأتي السفر الثاني ليقدّم رؤية جريئة في تفسير التنوّع الديني.


فالإنجيل والقرآن ليسا نقيضين، بل جناحين لكلمة واحدة، يطيران في فضاء الرحمة والعدل، ويلتقيان في “منتصف الضوء”. هذا اللقاء لا يلغي خصوصية كلّ كتاب، بل يكملها، ويُظهر أن الله “يُسمع” عبر تعدد الألسنة.
والأجمل أن الرحمة تظهر كـ”كتابٍ ثالث” بلا حروف، يسكن القلوب، ما يشير إلى أن جوهر الدين ليس في النصوص المكتوبة، بل في التجربة الروحية الداخلية.

وفي السفر الثالث، يُخلق الإنسان كـ”صورة” لله، لا كعبدٍ خاضع، بل كمرآة تعكس الذات الإلهية. لكن الإنسان ينسى، فيبحث عن الله خارج ذاته، في النصوص والدم والخلاف. والنداء الإلهي يعود ليذكّره بأن الغاية ليست العبادة الخائفة، بل الحبّ الذي يرى الله في مخلوقاته.


هنا، تتحول الصلاة من طقسٍ شكليّ إلى حالة وجودية دائمة، حيث “كلّ نفس صلاة”.

ويتوجّه السفر الرابع نحو التآلف بين الرسالات، في مشهدٍ رمزيّ يلتقي فيه الإنجيل والقرآن كقطرتين في بحر واحد. المآذن تُصافح الأجراس، والصلوات ترتفع بلغة واحدة:


الرحمة.
إنها دعوة صريحة إلى وحدة الإنسانية عبر المشترك الروحي، لا عبر فرض هوية واحدة.

ويختم السفر الخامس بعودة كلّ شيء إلى الصمت، حيث يذوب الفصل بين الخالق والمخلوق، ويصبح الوحي “مُعاشًا” لا “مكتوبًا”.
وفي هذه اللحظة، يدرك الكون أن جوهر الإلهيّة هو الحبّ الإنسانيّ ذاته.

بكلماتٍ نورانية، تعيد الأنشودة تعريف المقدس، لا كسلطة خارجية، بل كحضور داخليّ في كلّ نفس.
إنها دعوة إلى التأمل، إلى الحب، وإلى رؤية الوحدة في قلب التنوّع.

تحياتي واحترامي

د. عادل جوده / العراق / كركوك

سِفْرُ الكَلِمَةِ الأُولَى

(أنشودة النور الكوني)

بقلم: رانية مرجية

المقدّمة: نشأة الوعي الإلهي

قبل أن يولد الزمان،

وقبل أن تتنفس المجرّات،

كان اللهُ فكرةً في ذاته،

يتأملُ اتساعَه كمن يطلُّ على لا نهاية.

وحينَ اشتاقَ إلى وجهه الآخر،

خلقَ الصوت.

ومن صوتهِ انبثقَ النور،

ومن النورِ خرجت الكلمة،

ومن الكلمةِ تكوَّنَ كلّ شيءٍ كانَ وسيكون.

قال الله:

“سأُعرِّف نفسي بي،
وسأكتبني في لغةٍ لا تموت.”

ومن رحمِ هذا القول،

انبثقَ الإنسانُ — ليكون ذاكرة الله في الطين.

السِّفر الأوّل: الكَلِمَةُ – ميلادُ الضوء من الصمت

كانَ الكونُ فكرةً خجولة،

فأرسلَ اللهُ صمتهُ إلى حافّةِ الوجود،

وقالَ لهُ:

“تكلَّم.”

فنطقَ الصمتُ… واشتعلَ النور.

ومن النورِ خرجتِ الكلمةُ،

عاريةً من الزمن، طاهرةً من المعنى،

كأنها صلاةٌ لم تُكتب بعد.

قالت الكلمة:

“يا الله، أأنا أنت؟”
فقالَ لها:
“أنتِ نَفَسي، لكن لا تنسَي: أنا الصدرُ وأنتِ الأنين.”

ومن ذلك الأنينِ،

انبثقت الأكوانُ كما تنبثقُ الحقولُ من المطر.

السِّفر الثاني: الخَلقُ – انقسام النور إلى جناحين

قالَ اللهُ للكلمة:

“تفرَّقي في اللغات، ليعرفني البشر.”

فانقسمت إلى جناحين:

الإنجيل — نهر الحُبّ،

القرآن — نهر العدل.

وتطايرا في فضاءِ الوجود،

واحدٌ يغني باسم الرحمة،

والآخرُ ينادي باسم الحكمة،

حتى التقيا في منتصف الضوء.

قالَ الإنجيلُ:

“أنا الله حينَ يحبُّ حتى أعداءه.”
وقالَ القرآنُ:
“وأنا الله حينَ يُقيم ميزان الرحمة بالحقّ.”

فقالَ اللهُ لهما:

“أنتم كلمتي حين أتكلمُ بلغتين،
وكلُّ لغةٍ تُكملُ الأخرى كي أُسمَع.”

ثمّ سقطت بينهما دمعةٌ من نوره،

فكانت الرحمةُ،

وهي الكتابُ الثالث الذي يسكنُ القلوبَ بلا حروف.

السِّفر الثالث: الإنسَانُ – حين نظر الله في المرآة

قالَ اللهُ:

“سأخلقُ مَن يُشبهني،
ليراني وأنا أنسى نفسي فيه.”

فجبلَ من الطين قلبًا من ضوء،

وسمّاه إنسانًا.

قالَ له:

“أنتَ صورتي في العالَم،
فإيّاك أن تنظرَ إليّ من بعيد،
فأنا أراكَ من داخلك.”

لكنَّ الإنسانَ نسي.

راحَ يفتّشُ عن اللهِ في النصوص،

وفي الدم،

وفي الاختلاف.

فسمعَ الصوتَ يعودُ إليهِ من أعماقِه:

“لم أكتبْك لتعبدَني خوفًا،
بل لتُحبَّ بي ما خلقتُ.”

فأدركَ الإنسانُ أنَّ السجودَ ليسَ انحناءً،

بل اعترافٌ بالنورِ في كلّ شيء.

ومن تلك اللحظة،

صارَ كلُّ نَفَسٍ صلاة،

وكلُّ قلبٍ كتابًا مفتوحًا.

السِّفر الرابع: الاتِّحادُ – حينَ صلّى الوحيانِ معًا

التقى الإنجيلُ والقرآنُ على قمّةٍ من نورٍ لا ظلَّ له.

تقدّما نحو بعضهما كما تتقدّمُ قطرتانِ من المطر نحو البحر،

وقالَ الإنجيلُ:

“أنا الحُبُّ حينَ يغفر.”
وقالَ القرآنُ:
“وأنا العدلُ حينَ يُطهِّر.”

فقالَ اللهُ لهما:

“أنتم كفّتا قلبي،
وإذا اختلَّ الميزانُ، اختفى الإنسان.”

فتعانقا،

وسجدتِ الأكوانُ حولهما كحلقةٍ من موسيقى،

ورأى العالمُ مشهدًا لم يعرفه من قبل:

المآذنُ تُصافحُ الأجراس،

والصلواتُ ترتفعُ بلغةٍ واحدة،

اسمُها الرحمة.

السِّفر الخامس: الصَّمْتُ الَّذِي يُصَلِّي – عودة الله إلى ذاته

في آخرِ الأبد،

سكتَ كلُّ شيءٍ،

حتى النورُ توقّفَ ليستريحَ من المعنى.

تكلّمَ اللهُ بلا صوت، وقال:

“كنتُ الكلمةَ، فصرتُ معناها.”

فأجابَ النورُ:

“وكنتُ الخليقةَ، فصرتُك.”

عندها تلاشتِ المسافات،

وأصبحَ اللهُ يرى نفسهُ في العيون،

وأصبحَ الإنسانُ يُسبّحُ من غير لسان.

قالَ اللهُ:

“الآن انتهى الوحيُ المكتوب،
وبدأ الوحيُ الّذي يُعاش.”
وفي الصمتِ الأخير،

سمعَ الكونُ نفسهُ يقول:

“أنا اللهُ حينَ يُحبّ الإنسانُ إنسانًا.”

الخاتمة: نشيد النور

ما من ديانةٍ إلا وماءُها من هذا النهر.

وما من كتابٍ إلا وظلُّهُ من هذه الكلمة.

اللهُ واحد،

لكنَّ أصواتهُ كثيرة،

كما تتعددُ الأمواجُ في بحرٍ واحدٍ من النور.

حينَ يفهمُ الإنسانُ هذا،

لن يبقى شرقٌ ولا غرب،

ولا أنا ولا أنت،

بل وجهٌ واحدٌ يقول للعالم:

“كُنْ نُورًا.”

شاهد أيضاً

الصين : انطلاق المعرض الفني لدورة الألعاب الوطنية الخامسة عشرة

الصين : انطلاق المعرض الفني لدورة الألعاب الوطنية الخامسة عشرة

شفا – يقام المعرض الفني لدورة الألعاب الوطنية الخامسة عشرة في أكاديمية قوانغتشو للفنون من …