1:22 صباحًا / 25 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة أدبية تحليلية حول نص “أمهات الأرض” للكاتبة رانية مرجية ، بقلم : د. عادل جودة

قراءة أدبية تحليلية حول نص "أمهات الأرض" للكاتبة رانية مرجية ، بقلم : د. عادل جودة

قراءة أدبية تحليلية حول نص “أمهات الأرض” للكاتبة رانية مرجية ، بقلم : د. عادل جودة

يُعد نص “أمهات الأرض” للكاتبة رانية مرجية لوحة أسطورية مكثفة تنسج خيوط وجود الأرض والإنسان عبر تجسيد قيم كونية في شخصيات أنثوية مقدسة. يقدم النص رؤية فلسفية عميقة للخلق والتوازن والغفران، من خلال لغة شعرية تلامس أعماق الوجدان الإنساني.

تبدأ القصة في زمن سابق على الخلق، حيث كانت الأرض “أنفاسًا حائرة في صدر العدم”، لتبدأ رحلة التكوين عبر ثلاث أمهات تمثل كل منهن قيمة وجودية أساسية. لورا “أم النور” ترمز إلى البصيرة والمعرفة الأولى، تلك الشعلة التي أضاءت الظلام وعلّمت الإنسان كيف يرى دون أن يفهم. لكن النص يقدم حكمة بالغة عندما يذكر أن النور إذا طغى “يُغرق صاحبه في وهجه”، مما يدفع بالأرض إلى البعث بأم الذاكرة “نهى”.

تمثل نهى الجذور والهوية والحكمة المتراكمة عبر الأجيال. إنها تحمل “على كتفيه أزمنة العالم” وتغرس في البشر “بذور الحنين كي لا يضيعوا في طريق الضوء”. مقولتها “الذاكرة ليست ما تتذكرونه، بل ما يرفض النسيان أن يميتَه فيكم” تختزل علاقة الإنسان بماضيه ككائن حي متجدد، لا كمتحف للأشباح.

أما مارا “أم الغفران” فتجسد التوازن بين المشاعر المتضادة، فهي “نصفها ماء، ونصفها نار”، وتقدم تعريفًا مذهلاً للغفران بكونه “وعي الألم، لا نفيه”. هذه الرؤية ترفض التناسي السطحي وتؤكد على أهمية تحويل الألم إلى حكمة بدلاً من إنكاره.

الحوار بين الأمهات الثلاث عند “شاطئ الضوء” يلخص مأساة الوجود الإنساني: “أنرناه فعَمي، ذكّرناه فنسي”. لكن الحكمة تتجلى في قول مارا: “دعيه يسقط قليلًا؛ السقوط ليس نهاية، بل ميلاد آخر”. هذه العبارة تختزل فلسفة عميقة في فهم طبيعة البشر وضرورة التجربة الشخصية في رحلة المعرفة.

الانزياح الدراماتيكي في النص يتمثل بظهور الشخصية الرابعة المجهولة الاسم، التي تمثل التكامل والخلاص. إنها “ابنة النور والذاكرة والغفران” التي تعلن أن الأرض “لا تطلب عبادة، بل حبًا”. هذا التحول من منطق العبادة إلى منطق الحب يمثل نقلة نوعية في العلاقة بين الإنسان والكون.

الختام الشعري للنص يربط بين الأمومة الأرضية والألوهية، حيث تصبح كل امرأة تضم طفلها تجسيدًا لـ “أصل الخلق”، وامتدادًا للأمهات الأربع. العبارة الختامية “يعرفن كيف يبدأ العالم وكيف يُشفى” تختزل الرؤية الأنثوية للوجود، حيث تتداخل بدايات العالم مع نهاياته في دائرة من الحب والاستمرار.

يتميز النص بلغة مجازية عميقة، حيث تتحول الصخور إلى عيون تفتح، والنجوم إلى أنفاس تشتعل، والدمعة إلى مصدر للخلق. هذه الانزياحات البلاغية تخلق عالماً أسطورياً يليق بعظمة الموضوع الذي يتناوله.

النسق الأسطوري في النص لا يقلّد الأساطير القديمة بل يصوغ أسطورة معاصرة تعيد تعريف العلاقة بين الإنسان والأرض، مقدمة الحب كبديل للعبادة، والحكمة كبديل للسيطرة، والذاكرة كجسر بين الماضي والمستقبل.

هكذا يتحول النص من مجرد قصة خيالية إلى بيان فلسفي يقدم رؤية بديلة للوجود، حيث تنتصر قيم الحب والحكمة والغفران، وتتحول الأمومة من مفهوم بيولوجي إلى قيمة كونية تشكل أساس الخلق والخلاص.
تحياتي واحترامي

شاهد أيضاً

رئيس الوزراء يبحث مع نائب رئيس الوزراء وزير خارجية بلجيكا مستجدات الأوضاع

شفا – بحث رئيس الوزراء محمد مصطفى، مع نائب رئيس الوزراء، وزير الخارجية البلجيكي ماكسيم …