الاحتواء… حين يصبح المعنى غائبًا ، بقلم : ناديه كيوان

الاحتواء… حين يصبح المعنى غائبًا ، بقلم : ناديه كيوان

ما جدوى أن نتحدّث عن الاحتواء، وأن نملأ الاستكمالات والعروض والورش بمصطلحاتٍ براقة عن الدّعم النفسي والنهج التربوي الشامل، إذا كان هذا الاحتواء لا يَسري في الأرواح، ولا يُترجم في الأفعال، ولا يُلمَس في اليوميات؟

ما الفائدة من أن نتقن النظرية، إن كانت الممارسة خاوية إلا من الكلام؟

الاحتواء ليس شريحة “باوربوينت”.
وليس ورقة عمل نوقّعها آخر اللقاء.

الاحتواء حياة تُعاش، ومسؤولية تُمارَس، وحضور إنساني قبل أن يكون أداءً وظيفيًا.
فالطفل حين تحتويه أمّه، لا يشعر بمصطلحٍ تربوي بل بحضن.
والطالب حين يحتويه معلمه، لا يحفظ تعريفًا نظريًا بل يحتفظ بأمان.

والمعلم حين يحتويه مديره، لا ينتظر لائحة تعليمات، بل قلبًا يفهم وكتفًا يسند.
فكيف يُمكن لمعلّمٍ مُتعبٍ يشعر أنه وحده في الميدان، بلا سندٍ ولا تفهّم، أن يكون حضنًا لطلابه؟
كيف يُطلب منه أن يُبدع، وأن يبتسم، وأن يحتوي، وهو ذاته مُنهكٌ لا مَن يحتويه؟
إنه أشبه بشمعة تُطالب بإضاءة الآخرين فيما الريح تُطفئها كل مساء.

الاحتواء ليس رفاهية، بل حاجة نفسية أساسيّة:
احتواء الأم محبة،
واحتواء المعلم عطاء،
واحتواء المدير إنسانيّة،
واحتواء المسؤول عدالة قبل أن يكون إدارة.

لكن حين يُعامَل المعلّم كآلةٍ لا روح لها، وحين يُختزل في أرقام وخطط وتقارير ويُجرَّد من مشاعره وكرامته وتعبه، فإننا نفقد أجمل ما في التعليم: الإنسان.
تعب المعلم ليس ترفًا،
وصوته ليس ضجيجًا،
ومشاعره ليست هامشًا في نهاية الجملة.
إنه قلب المنظومة، فإذا انطفأ… انطفأ كل شيءٍ حوله.

الاحتواء الحقيقي يبدأ من أعلى السُلَّم، لا من أسفله.
يبدأ حين يرى المسؤول الإنسان قبل الموظف، والروح قبل الواجب، والظرف قبل الحكم.
يبدأ حين يسأل المدير معلّمه: “كيف حالك أنت؟” قبل أن يسأله: “أين الخطة؟”
نحن لا نحتاج مزيدًا من الشعارات، بل مزيدًا من الوعي.

لا نحتاج لغةً منمّقة، بل قلوبًا مستيقظة.
ولا نحتاج محاضرات جديدة عن الاحتواء… بل ممارسة صادقة له.
فالاحتواء ليس أن نتحدّث عنه،
بل أن نرمّم به،
ونُطمئن به،
ونُعيد به للمعلمين إنسانيتهم… قبل أدوارهم.

ناديه كيوان