4:44 مساءً / 21 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

الأستاذة جَنّة مشرف ” أم يعقوب “… ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذة جَنّة مشرف " أم يعقوب "… ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

الأستاذة جَنّة مشرف ” أم يعقوب “… ، بقلم : د. تهاني رفعت بشارات

ما أروع هذه الآية الكريمة التي تُذكّرنا دائماً : «ولا تنسوا الفضل بينكم»، وما أصدق معناها حين نلتقي بأناسٍ يتركون فينا أثراً طيباً لا يزول مهما توالت الأيام وتبدّلت الفصول. فالإنسان ليس بما يملك أو بما يقول، بل بما يتركه من بصمةٍ في القلوب، وما يغرسه من جميل الأثر في الأرواح. وهنا أجدني أكتب عن إنسانةٍ نقيةٍ عرفتها فكانت تجسيداً حياً لهذا المعنى النبيل، الأستاذة جَنّة مشرف، أو كما يُحب الجميع أن ينادوها بمحبةٍ ودفءٍ: أم يعقوب، تلك النشمية الأردنية التي تحمل بين حناياها روحاً من الضوء، وابتسامةً من السكينة، وقلباً من الكرم والعطاء.

عرفتُ الأستاذة جنة أول مرة في الأردن أثناء إشهار كتابي المشترك “نقرأ بإبداع.. نكتب بحب” مع الأستاذ المبدع رائد عساف، زوجها الفاضل. كان اللقاء الأول بها لقاءً يحمل في طيّاته دفئاً إنسانياً صادقاً ، فقد حضرت بكامل حضورها الإنساني والأدبي، مشرقةً كطلّة الصباح، أنيقةً في حضورها وحديثها، راقيةً في تعاملها، تحمل في ملامحها سكينة المرأة الأصيلة التي تنضح طيبةً وتفيض احتراماً. لم تكن مجرد وجهٍ في الحفل، بل كانت روحاً تُضفي على المكان دفئاً خاصاً، وكأنها نسمةٌ من نقاءٍ تلامس القلب قبل أن تُلامس الهواء.

ثم شاءت الأقدار أن يتجدّد اللقاء في حفل توقيع الكتاب في مدينة إربد، فكانت الأستاذة جَنّة حاضرةً مرةً أخرى، مفعمةً باللطف والذوق الرفيع، تبادر بالكلمة الطيبة وتمنحك شعوراً صادقاً بالاهتمام. كان حضورها جميلاً كقصيدةٍ تُتلى في زمنٍ يندر فيه الجمال، وكم أسعدني تعاملها الراقي مع ابنتي تاليا، إذ غمرتها بعطفٍ أموميٍّ جميل، وكأنها تعرفها منذ زمنٍ بعيد، فانعكس طيبها على الموقف كله، وبقي مشهدها في الذاكرة كلوحةٍ من إنسانيةٍ نادرة.

إنها امرأة معلمة، تقف كل صباحٍ أمام طلابها، تغرس فيهم القيم والمعرفة بابتسامةٍ لا تفارقها، رغم التعب وضغط العمل. فبين دفاترها وأحلام طلابها، تصنع جسراً من المحبة والتفاني، وتزرع في كل قلبٍ زهرة علمٍ وأخلاق. وحين تنتهي من يومها الدراسي الطويل، تعود إلى بيتها لتكون الأم الحنون لابنها الوحيد يعقوب، الذي تراه ثمرة عمرها ونور حياتها، تمنحه من حبها ورعايتها ما يجعل منه امتداداً لروحها الهادئة وقلبها الكبير.

كم هي رائعة هذه المرأة التي توازن بين رسالتها التعليمية ومسؤولياتها الأسرية بذكاءٍ نادرٍ وروحٍ ثابتة، تجمع بين الحزم واللين، بين الرقيّ والعفوية، وبين العمل والحب في انسجامٍ بديع لا يقدر عليه إلا أصحاب النفوس الراقية. إنّ الأستاذة جنة مشرف لا تُعرّف فقط بوصفها معلمة أو زوجة أو أماً ، بل تُعرّف كحالةٍ من الجمال الإنساني الخالص، الذي يذكّرك بأن الخير لا يزال مزروعاً في النفوس، وأن التعامل الراقي ليس سلوكاً مكتسباً، بل طبعٌ نابع من أصلٍ كريمٍ وتربيةٍ نادرة.

وحين أتأمل حضورها ودفء تعاملها، أدرك أن اللقاء بالطيبين نعمة، وأن بعض الأرواح حين تمرّ في حياتك، تترك فيك سلاماً يشبه المطر بعد العطش. فالأستاذة جَنّة من أولئك الذين لا يمكن أن تلتقيهم ثم تنساهم، لأنهم ببساطةٍ يشبهون الضوء، لا يُرَى لكنه يُشعَر به في الأعماق.

كل التقدير والاحترام لهذه السيدة الفاضلة، أم يعقوب، التي أثبتت أن الطيبة ليست ضعفاً، بل قوةٌ ناعمةٌ تصنع أثراً خالداً في القلوب. دمتِ كما أنتِ، نَسمة خيرٍ تلامس الأرواح، وبستاناً من الطهر والكرم الإنساني، وامرأةً تحمل في حضورها عبق الأردن الأصيل، وتُذكّرنا دائماً بأن الإنسان مهما ابتعد عن وطنه أو مشاغله، فإن بصمة القلب الطيب لا تُمحى، لأنها تُكتب بالحُب لا بالحبر.

شاهد أيضاً

إهداء مؤلفات جديدة تعزز الفكر التربوي والثقافي الفلسطيني

شفا – في إطار سعيها الدائم لخدمة الثقافة والتعليم في فلسطين، قامت الكاتبة والأستاذة أ.د. …