
قراءة في كتاب الفينيق من الرماد للكاتبة الفلسطينية رانية مرجية بقلم : دكتور عادل جودة
كتاب : – الفينيق من الرماد –
تأليف : رانية مرجية
النوعية : التنمية البشرية وتطوير الذات
الصفحات : 82 صفحة
قراءة في كتاب (الفينيق من الرماد)
– رانية مرجية
كتاب «الفينيق من الرماد» ليس دليلًا نفسيًا تقليديًا ولا نصًا سرديًا خالصًا، بل هو تجربة شفائية مكتوبة بلغة إنسانية دافئة.
تمزج فيه الكاتبة بين المعرفة النفسية الوجودية والتعبير الوجداني، فتقدّم نصًا ينتمي لأدب الشفاء بالكتابة والتنمية الداخلية
التحليل الأدبي — النفسي الشامل
لكتاب «الفينيق من الرماد» لرانية مرجية
«الفينيق من الرماد» كتابٌ يتماهى اسمه مع مساره العلاجي:
ولادةٌ جديدة تخرج من فناءٍ سابق، وتجربةُ انبعاثٍ نصّيٍّ يعالجُ جراح الذات عبر كلماتٍ تقود القارئ نحو رؤيةٍ تأويلية لذاته.
تصنف المؤلفة عملها ضمن أدب علم النفس الإنساني والتنمية النفسية–الوجودية، ويقع الكتاب في نحو اثنين وثمانين صفحة، ما يجعله نصًّا مركزًا ومكثفًا في حجمه ومضامينه.
على مستوى الشكل، تختار رانية مرجية لغةً قريبة من الأسلوب التأملي:
تراعي إيحاءات الصورة والرمز أكثر من السرد الحُكي اعتمادها على مفرداتٍ وجدانيةٍ قصيرة التكوين يمنح النصّ إيقاعًا شِعريًا متأملاً، فيُقرأ الكتابُ أحيانًا كسجلٍّ شخصيٍّ متأنٍّ يحوي مقاطعَ تأمليةً، وتمارينٍ إرشاديةٍ، وملاحظاتٍ نفسيةٍ مبسطة.
هذا الاختزال في الطول والتحرّك بين التفسير والتجربة يجعل من العمل نموذجًا لـ«الشفاء بالكتابة» حيث تتحرك الكاتبة بين المعرفة العلمية الموثقة والتعبير الإنساني الوجداني، فتقدّم للقارئ مرآةً يرى فيها آلامه وخياراته.
ثيمات الكتاب تدور حول الألم والذاكرة والهوية والقدرة على التجاوز.
ترى المؤلفة أن الألم ليس نهاية وجود، بل هو مادة أولية لإعادة البناء—فالفينيق هنا ليس أسطورةً مجردة بل نموذجٌ عملي للانبعاث النفسي.
تُعرضُ آلياتُ التعامل مع الصدمات بشكلٍ مبسّطٍ وقابل للتطبيق:
التدوين، التفكيك المعرفي للمشاعر..وإعادة صياغة السرد الذاتي.
هذه الآليات تُقرب النصّ من القارئ العادي الباحث عن خطواتٍ عملية، وفي ذات الوقت تحافظ على بُعدٍ تأمليٍّ يوقظُ الحسّ الوجودي.
نفسياً، يتميز الكتاب بحسٍّ رحيمٍ بالذات؛ فهو لا يثقل على القارئ بمصطلحاتٍ طبيةٍ معقّدة وإنما يفسّر الظواهر النفسية بلغةٍ إنسانيةٍ توفّق بين التعاطف والتحدّي البنّاء.
هذا الأسلوب مفيد لمن هم في مرحلة ما بعد الأزمة—أولئك الذين لم يعودوا في ترويع الصدمة الأولي بعد، لكنهم يفتقدون خارطة طريق للشفاء.
كما أن الاستعانة بالكتابة كآليةٍ علاجية تمنح القارئ تجربةً فاعلةً:
فالكتابة هنا ليست مجرد وصفٍ بل فعلٌ تغييريّ يتيح إعادة ترتيب التجربة الفردية ضمن إطارٍ يقبلها ويعيد لها معنىً.
من زاوية نقدية، يعتري النصّ قِصَرُ العمق الأكاديمي في بعض النواحي؛ فالمزيج بين المعرفة الموثقة والتعبير الوجداني لا يغطّي دومًا مصادرً موسّعة أو دراساتٍ معمّقة يمكن للباحثين الرجوع إليها.
بيد أنّ هذا القصور يتحوّل إلى ميزةٍ عندما نستقبله كعملٍ موجهٍ للقارئ العام، إذ يحافظ على دفء اللغة وقربها من تجربة المتلقّي، ويُسهِمُ في تقليل حاجز الدخول للعلاج النفسي عبر الكلمة.
ختامًا، «الفينيق من الرماد» نصٌ صغير لكنه مؤثر يقدّم دعوةً عملية وحنونة للانتصار على الذات عبر فعل الكتابة والتأمّل.
قراءته مناسبة لمن يبحث عن بدايةٍ لطيفةٍ في رحلة العلاج الذاتي، ولمن يريد نصًا يوازن بين حكمةٍ نفسيةٍ قابلةٍ للتطبيق ولسانٍ إنسانيٍّ يَرعى جراح القارئ دون ترويع.
إنه كتاب مصدر أملٍ ومرشدٌ ناعمٌ إلى إمكانات التجدد التي في داخل كلّ منا.