8:57 مساءً / 9 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

“مرآة الحقيقة جارحة” ،، بقلم : الأديبة إيمان مرشد حمّاد

“مرآة الحقيقة جارحة” ،، بقلم : الأديبة إيمان مرشد حمّاد

من أصدق ما قرأتُ في الأدب الفرنسي كانت مسرحية رائد الكوميديا الفرنسية موليير ، Le Misanthrope ou l’Atrabilaire amoureux وتعني بالعربية ( عدو البشر ) ،
وهي مسرحية كتبها موليير في القرن السابع عشر من نوع كوميديا الأخلاق، وقد عُرِضتْ لأول مرة في الرابع من حزيران 1666 في مسرح القصر الملكي بباريس من قِبَل فرقة الملك. تسخرُ المسرحية من نفاق المجتمع الأرستقراطي الفرنسي، وتناقشُ العيوبَ الأخلاقية التي يمتلكها البشر.

وما ان وقَعَتْ عينايَّ على هذه العنوان حتى اجتاحتني رغبةٌ جامحةٌ بأن اعرفَ ما يدورُ بين دفتيّ هذا الكتاب، واردتُ أن اعرفَ تحديداً من هو عدو البشر هذا.

وسرعانَ ما بدأتُ أُقلب صفحات هذا الكتاب صفحةً وراء أخرى لأكتشفَ هذا السرّ الأسر ، وأكثرُ ما شدَّني هو جمال تلك الحوارات ذات الأبعاد الفلسفية العميقة التي تدورُ بين بطل المسرحية( عدو البشر) وصديقهُ المُحب للبشر.

وتدور احداثُ المسرحية حول شخصية ( ألسيست) الذي يرهقُ أصدقاءه بسبب صراحته المطلقة وإطلاق آرائه بدون الاهتمام لقواعد الأدب والمجاملة والعادات المجتمعية في المجتمع الأرستقراطي الفرنسي في القرن السابع عشر. وبسبب رفضه أن يتحول إلى رجل لطيف ، يصبحُ ( ألسيست) شخصاً لا يحظى بشعبية في مجتمعه مما يدعوه للتفكير بالعزلة وإعلان عدائه للبشر في مجتمعه بسبب نفاقهم. وحتى عندما وقع في حب فتاة كانتْ دائمة الاتهام له بأنه غير صالح للعيش في المجتمع أو مع البشر.

كانتْ فلسفةُ ( ألسيست : عدو البشر) تتمحورُ حول الصراحة والصدق والبعد عن المراوغة وقول الحقيقة ومواجهة الناس الناس بها مهما كانت قاسية ومُرة أو مُحبِطة. وكانَ يُصِّرُ على عدم تنميق ألفاظهِ وأن يكونَ صادقاً مع نفسهِ ومع الآخرين، وبالمقابلِ كانتْ فلسفةُ صديقه (المُحب للبشر) تقومُ على النفاق وكَيل المديح للناس ومجاملتهم وتصديق كَذِبهم. كانَ مستعداً لأنَ يأخذَ من يكرههم بالأحضان والترحاب، وبعد ان يذهبوا يشرعُ بذكر مساوئهم وكشفِ عوراتهم.

والأنكى من ذلك أن الأول كان يُنعتُ بعدو البشر الذي لا يحبهُ أحد ولا يأنسُ بصحبتهِ بينما الثاني كان محبوباً من قِبل الجميع.

ان هذه المسرحية بحق بانوراما تصويرية لواقع حياة البشر حيثُ الحقيقة كلمة مجردة لا تتصل دائما بالواقع. إنها كلمة من مداد لا يعرفُ حقيقتها إلا الله وحده. اما الكذب والرياء والنفاق والصعود على أشلاء الاخرين فهو نوع من القدرة المحمودة على التكيف مع الواقع.

انتهيتُ من قراءة مسرحية موليير هذه وبقيَّ بطل المسرحية يُنعتُ بعدو البشر الكاره لهم والذي يودُ لو أنهُ يستطيعُ العيشَ في جزيرةٍ مهجورة وظلَّ صديقه المتملق الإنزلاقي يحتفظُ باسمه (Phil) الذي يوحي بكلمة محُب البشر ( Philanthropist).

والسؤال الذي يفرض نفسه هو : لماذا يكره الناس الحقيقة ويحبون الزيف؟ هل لأنَّ الصدق هو مرآة الحقيقة، والحقيقة قد تكون جارحة أو مزعجة لبعض الناس ؟ وهل يُحبُ الناس النفاق لأنه يمنح الناسَ ما يريدونَ سماعه، بغض النظر عن صدقه لأنَ البشر يميلون أحياناً إلى ما يريحهم ويجعلهم يشعرون بالقبول، حتى لو كان زائفاً؟ وتبقى أسئلتي برسم الإجابة.

إيمان مرشد حمّاد

شاهد أيضاً

بتعاون بين سفارات فلسطين والسعودية وفرنسا في المجر: فعالية حول الاعتراف بدولة فلسطين

شفا – استضاف السفير الفرنسي لدى المجر اليوم الخميس، فعالية رسمية بمناسبة الاعترافات بدولة فلسطين، …