11:17 مساءً / 30 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

فلسطين على عتبة التحوّل ، مرحلة جديدة أم إعادة تدويرٍ للألم ؟ ، بقلم : رانية مرجية

فلسطين على عتبة التحوّل ، مرحلة جديدة أم إعادة تدويرٍ للألم ؟ ، بقلم : رانية مرجية

تمهيد


ليس السؤال اليوم إن كانت القضية الفلسطينية لا تزال حية؛ فنبضها يسمع في البيوت المهدّمة كما يسمع في قاعات المحاكم وساحات الجامعات وشاشات العالم. السؤال الحقيقي: هل تقودنا التحوّلات الجارية إلى مرحلةٍ جديدة تُدار فيها القضية بوصفها مشروعَ تحرّرٍ وحقًّا سياسيًّا، أم إلى جولةٍ أخرى تُدار فيها المأساة بوصفها “أزمةً إنسانية” تُخفّف أعراضها ولا تُمسّ جذورها؟

ما الذي تغيّر حقًّا؟

ثلاثة تحوّلات كبرى تجعل اللحظة مختلفة:


1. توسّع المشهد من الميدان إلى الشرعية: عاد القانون الدولي وحقوق الإنسان إلى مركز النقاش. صحيح أنّ الفجوة بين النصّ والتطبيق واسعة، لكنّ حضور هذه اللغة في الوعي العالمي أعاد تعريف القضية خارج قفص “الأمن” وحده.
2. انكشاف المعايير: الصُور التي نقلت المعاناة بلا وسطاء حرّكت رأيًا عامًا عابرًا للحدود. هذا الرأي ليس حكومةً، لكنه قوة ضغط يمكن تحويلها إلى سياسة إذا امتلك الفلسطينيون أدوات تحويل التأييد الشعبي إلى مكاسب ملموسة.
3. اهتزاز المعادلات التقليدية: بُنى إدارة الصراع التي عاشت على الهدن القصيرة و”الإعمار المشروط” تُستنزَف. إمّا انتقالٌ إلى إدارةٍ تُحفظ فيها كرامة الناس وحقوقهم السياسية، وإمّا دورانٌ في الحلقة ذاتها بأثمانٍ أعلى.

أين يقف الداخل الفلسطيني؟

لا مرحلة جديدة من دون ترميم البيت الفلسطيني. الانقسام ليس خلافًا إداريًّا؛ إنه كوابحٌ على كل مسار. والمطلوب اليوم:


• مرجعية وطنية مُنتخبة وموثوقة تعيد بناء الشرعية تمثيلًا وبرنامجًا.
• تعريف محدث للمقاومة: مقاومةٌ متعددة الأدوات؛ بالسلاح حيث يُفرض، وبالعمل السياسي والقانوني والإعلامي والاقتصادي حيث يُجدي، وبحماية الإنسان بوصفه مركز القضية لا هامشها.
• أولوية الإنسان: أمن الغذاء، التعليم، الصحة، وحرية الحركة ليست “ملاحق إنسانية”؛ بل شروط سياسية لدوام الصمود. من دونها سيظل المجتمع يُستنزَف قبل أن يبلغ أي هدف.

من إدارة الأزمة إلى إدارة القضية

الاختبار الأخطر هو الانزلاق من إدارة القضية إلى إدارة الأزمة. إدارة الأزمة تُسكّن الألم: شحنات إغاثة، ووعود إعمار، وهدن قابلة للكسر. إدارة القضية تعني سؤال السيادة والحرية والمحاسبة والحدود والقدس واللاجئين.
أيُّ ترتيباتٍ مؤقتة لا تستند إلى مسارٍ مُلزِمٍ للحقوق ستتحوّل إلى استراحةٍ قصيرة قبل الانفجار التالي.

شروط العبور: خريطة عملية مختصرة


1. برنامج وطني جامع يوازن بين الثوابت وإمكانيات اللحظة، ويُتَرجم إلى أولويات قابلة للقياس: حماية المدنيين، رفع الحصار، إطلاق الأسرى، وقف الاستيطان، مسار سياسي محروس بالقانون الدولي.
2. اقتصاد الصمود: شفافية في الإغاثة والإعمار، استقلال نسبي عن ابتزاز المانحين، توجيه الموارد إلى البنية الأساسية والقطاعات المنتِجة لا إلى الريع والزبائنية.
3. عدالة ومساءلة: تثبيت مسارات قانونية جادة، لا رمزية، لمحاسبة الانتهاكات؛ تجفيف سياسة الإفلات من العقاب هو شرط ردعٍ وحيد حين تتراجع السياسة.
4. قوة ناعمة منظمة: تحويل التعاطف العالمي إلى شبكات تأثير: جاليات، نقابات، جامعات، ثقافة وفنّ وإعلام حقوقي محترف. الرأي العام رأس مال سياسي إذا أُحسن استثماره.
5. تجديد النخبة السياسية: وجوهٌ وخطابٌ وأدواتٌ تُخاطِب جيلًا شابًّا دفع أثمانًا باهظة ويريد معنىً لما قدّم.

الإقليم والعالم: فرص وحدود

العواصم تُجيد لغة “الإدارة” أكثر من لغة “التحرّر”. لذلك، لا يكفي الرهان على الخارج، ولا يجوز إهماله. القاعدة الذهبية: لا تفويض بلا شروط. أي دورٍ إقليمي أو دولي مفيدٍ إذا ضَمِن:


• حماية المدنيين وفتح المسارات الإنسانية كحقّ لا كمنّة.
• جدولًا مُلزِمًا لرفع القيود والحصار، ووقف الاستيطان، ومنع تغيير الهوية في القدس.
• سقفًا سياسيًّا واضحًا للترتيبات المؤقتة لا يبتلع الحق النهائي.

القدس… ميزان الصدقية

تاريخيًا، كانت القدس بوصلة يكشف عليها كلُّ خطاب. من يَعدُ بفلسطين ويصمت عن تغيير معالم المدينة واستباحة مقدساتها، يُعيد تدوير الألم ولا يفتح مرحلة. المحافظة على القدس، ناسًا ومعنىً وذاكرةً، ليست بندًا عاطفيًّا؛ إنها معيار أي مشروع سياسي يُحترَم.

ماذا لو فشلنا؟

سيُعاد إنتاج الدورة المعروفة: هدنةٌ قصيرة، إعمارٌ انتقائي، استيطانٌ يتمدّد، حصارٌ يتكيّف، ثم انفجار. الخسارة هنا أخلاقية واستراتيجية: ينكسر معنى العدالة في عيون العالم، ويتحوّل الفلسطيني إلى “ملفٍّ إنساني” دائم، بلا قضية. لهذا، فإنّ التأخر في ترتيب البيت، أو التعويل على الآخرين لكتابة مستقبلنا، ليس كسلًا سياسيًّا بل تفريطًا بالتاريخ.

خاتمة: نداء وعهد

يا أبناء فلسطين…


أنتم لستم ظلالًا على نشرات الأخبار. أنتم أصل الحكاية. دمُكم ليس لغةً للشفقة، بل حُجّة على العالم. المرحلة الجديدة لن تُكتب بالحبر وحده، بل بإرادةٍ تُحوّل الألم إلى معنى، والتعاطف إلى نفوذ، والشتات إلى شبكة، والحق إلى برنامج عمل.

وللعالم نقول: لسنا نسأل صدقةً، بل نطالب بحقٍّ مكفولٍ في كل شريعةٍ وقانون. إن كنتم حقًّا مع الحياة، فكونوا مع حرية الذين يُسلب منهم الهواء. وإن كنتم حقًّا مع العدالة، فاجعلوا لها أسنانًا تقضم الإفلات من العقاب.

ولأننا نكتب في القدس، نضع هذه المدينة ميزانًا على الطاولة: من يحفظها يحفظ المعنى، ومن يفرّط بها يفرّط بكل شيء. إن عبرنا هذه اللحظة بوحدةٍ ورؤيةٍ وكرامة، أمكن أن تكون بدايةَ التحوّل من إدارةِ أزمةٍ إلى إدارةِ قضيةٍ، ومن إدارةِ قضيةٍ إلى إدارةِ التحرّر.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الثلاثاء 30 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …