7:54 مساءً / 30 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

لغتنا العربية …. بين الواقع المُتردي ، والأمل المنشود ، بقلم : د. سرمد فوزي التايه

سرمد فوزي التايه

لغتنا العربية…. بين الواقع المُتردي، والأمل المنشود ، بقلم : د. سرمد فوزي التايه

لا يخفى على أي مُتبحِّر في واقع لغتنا العربية ما باتت تُعانيه هذه اللغة العريقة من تقوقع واضمحلال وتراجع لمُرتاديها في هذا الزمن الرديء المُتردي! ليس لعيبٍ فيها، وانما لعيبٍ في مُستخدميها ومُنتسبيها. وعلى الرغم من أنها لغة القرآن الكريم، وماعون العلوم الكونية والإسلامية العريقة، والسفينة ذات الشراع العالي التي اعتلتها وتنقَّلت بها ومن خلالها الحضارة العربية الإسلامية في كل أصقاع الأرض من مغاربها الى مشارقها ليغدو صاحبها يفخر ويفاخر بها وبحَمله لها وتداوله بمفرداتها! في حين كان يُصيب من لا يُجيدها ولا يعرف كُنها الخجل والحياء والاستحياء.


لقد باتت لغتنا العربية اليوم تواجه تحديات جمَّة في ظل العولمة والهيمنة المُتزايدة للغات العالم الأخرى، ما قاد وأدى لابتعاد أبنائها عنها، وهجرهم لها طوعاً بدواعٍ واهيةٍ من محض خيالهم بأنها أصبحت لغة قديمة بالية لا تُلبي الطموحات في الاحاديث المًتعلقة بالنواحي العلمية، والأدبية، والثقافية والسياسية، ناهيك عن عجزها عن توصيف المخترعات التكنولوجية الحديثة على حدِّ وصفهم، حتى صار يُزدرى منها ويُعاب على الذي يستعملها دون أن يقوم بحقن وادخال بعض الكلمات الأجنبية الدخيلة الى جسدها، لتبدو لغة بائسة هزيلة مُشوهة يُنظر اليها ولمن يركب ركبها بعين الحُزن والشفقة والوجوم، ليبرز اعتقاد لدى العامة للأسف أنّ هناك تناسباً عكسيا ًبين التعامل بالمصطلحات العربية الفصحى الأصيلة وبين التقدُّم والتَّطور والريادية، والعكس صحيح فيمن يتعامل باللغات الأجنبية أو من يقوم بتلقيح لغته ببعض المفردات الغربية؛ فترى الكثيرين من الناس يتباهون بركوب موجة المصطلحات الوهمية المُبتكرة والمُقتطفة من لغات اجنبية كالإنجليزية مثلاً أو الفرنسية أو غيرها من اللغات، وكأنهم غدوا هم فقط الراقيين العارفين المُتبحرين بشتى العلوم والمعارف؛ ومن أدخل أنف مصطلحٍ أجنبيٍ إلى حديثة، يزداد نشوةً وابتهاجاً بأنه قد وصل الى مصاف المُتطورين والمُتفتحين والمُثقفين! ومن سواهم ممن لا يُجيدون صنعتهم، باتوا فقراء بائسين عاجزين عن اعتلاء سلم الحضارة والتطور المجتمعي!


ان المُستطلع لواقع الحال الذي أدى إلى هذا المآل الذي صرنا نُعاينه ونُعانيه في أجواء هذا الواقع المرير لهذه اللغة التي أضحت يتيمة، عاجزة، يُستحى من الإتيان بها وبمفرداتها وكلماتها، يجد أنَّ الكثير من الأسباب أدت إلى هذا الوهن وهذا الخَوَر الذي راح يضرب عصبها حتى آلت الى ما آلت اليه؛ فضعف الأمة العربية من كافة الجوانب السياسية، والاقتصادية، والدبلوماسية، والتكنولوجية، والعلمية، وغيرها من الجوانب راح يلعب الدور الرئيسي في الوصول لهذا الاضمحلال وهذا الحال! وعلى الرغم من أنَّ هذا الجانب هو الجانب الأساسي لهذه المُعضلة، إلا أنَّ هناك أمور أخرى ساهمت وتساهم في هذا الهُزال وهذا العجز وهذا التراجع الحاد لواقعها؛ فنجد على سبيل المثال لا الحصر أنَّ تدريس اللغة العربية في المدارس والجامعات العربية قاطبة ينتابه ضعف في كثير من الأحيان لدواعٍ متباينة منها الافتقار إلى الأساليب الحديثة والمُحفِّزة، ناهيك عن هيمنة اللهجات العامية على اللغة الفصحى في الإعلام والمحافل الرسمية غير الرسمية، كما أنَّ تأثير التكنولوجيا ونقص المحتوى الرقمي العربي الجذّاب على مواقع الشبكات العنكبوتية بكل تفصيلاتها، واعتلاء شأن وسائل التواصل الاجتماعي غربي المنشأ؛ كل ذلك راح يُقلل إلى حدٍّ كبيرٍ من حضور العربية في تلك المحافل. وأخيراً، وهنا تكمن الكارثة العظمى والمُتمثلة بنظرة الشباب العرب للغة الأم والتي يرونها أنها لغة مُعقدة وصعبة ولا تتناسب مع مُتطلبات العصر الحديث.


في ظل هذه المعمعة وهذا التجاذب، يُطلُّ علينا السؤال الذي قد لا نبغي رؤية وجهه ولا نريد سماع صوته والمتمثل بالقول: هل مكانة اللغة العربية قد فُقدت وتلاشت إلى الأبد؟ ام هل تبقّى فيها من روح لجعلها قادرة على النهوض من جديد لمُجاراة اللغات الأخرى والتَّفوُّق عليها لتعود الى صدارتها كما كانت؟


للإجابة على هذا التساؤل نقول: انه من خلال استعراض التاريخ البعيد والقريب وبشيء من البحث والتنقيب، نُدرك أنّ اللغات شأنها شأن الكائنات الحية؛ تُولد، تنمو، تتطور، تنضج، تتأقلم مع الاحداث. ومع الزمن، إن لم يتم الحفاظ عليها والاعتناء بها؛ يُصيبها العجز، والوهن، والاعتلال؛ فتضمر، وتنتهي، وتتلاشى أو تكاد! وفي بعض الأحيان، تستعيد عافيتها إذا ما توافرت لها الحاضنات والبيئات المناسبة بأن يتم إمدادها بالدعم اللازم والرعاية والاهتمام الحقيقي من خلال الإرادة الصادقة الفعّالة. وهذا كله يتطلب تضافر جهود الكل وعلى كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية. فالارتقاء باللغة العربية وإعادتها إلى مكانتها العالية العالمية يُعدُّ مسؤولية جمعية مُجتمعية تقع على عاتق الحكومات، والمؤسسات السيادية، والمؤسسات التعليمية والثقافية، والافراد كلٌ حسب تخصصه واختصاصه ضمن رؤية استراتيجية واحدة، مُوحَّدة، جليّة وواضحة على هامش الإرادة الحثيثة لتغيير المُمارسات اليومية.


من هنا، يتطلب منا جميعاً أبناء يعرب ولغة الضاد ان نُدرك أنّ إحياء لغتنا العربية ليس مجرد واجب لغويٍ وحسب، بل هو واجبٌ أخلاقيٌ، وقوميٌ، وقِيَميٌ لاستعادة المجد المفقود. فلنتيقن أنَّ لغتنا ليست مجرد أداة للتواصل، بل هي كينونة، وهوية، وتاريخ، ومستقبل، ورسالة أُممية؛ بها نرتقي، وبها نُعيد مكانتنا وبهجتنا وبريقنا الأخّاذ؛ فنُضيء بها ومن خلالها دروب العلم والمعرفة والحضارة كما كنا في الماضي التليد.

شاهد أيضاً

الشرطة تنظم محاضرة توعوية حول العنف الأسري في بيت لحم

الشرطة تنظم محاضرة توعوية حول العنف الأسري في بيت لحم

شفا – نظمت الشرطة، اليوم الثلاثاء، بالتعاون مع جمعية الشابات المسيحية، محاضرة توعوية حول العنف …