
بصاق من نوع جديد ، وإعلان وفاة أخلاقي ، إسرائيل والغيتو ، بقلم : نسيم قبها
هذه القطيعةً الكونية ليست عابرة على ما يبدو ، فحين انسحب سفراءُ البشرية من قاعةِ الأمم، كانوا ينسحبون من سرديةٍ انتهى زمنُها. كان كلُ كرسيٍّ يُفرغُ من وزيرهِ أشبه بقطعةِ أرضٍ تسقط من خريطةِ الشرعيةِ الدولية. ذلك المشهد لم يكن احتجاجاً سياسياً عادياً وعابرا ، بل كان إعلانَ وفاةِ أخلاقيٍ لـ “الاستثناء” المزعوم.
ها هي “القلعةُ المنبوذة” تقفُ على جبلٍ من الرماد. لقد حوّلتْ نفسَها إلى “غيتو أخلاقي”، تحتمي خلف أسوارِ قوة الهامبورغر ، لكنها تكتشفُ أن أقوى الجدرانِ لا تحمي من عزلةِ الضمير العالمي المخدوش. لقد أصبحت تُحاكمُ ليس في المحافلِ السياسيةِ وحدها، بل في محكمةِ التاريخِ والإنسانية والجيل الرقمي السادس.
إنها “التراجيدياُ اليونانية” بعصرها الرقمي: بطلٌ تحوّلَ إلى جلّاد، ضحيةٌ سابقةٌ أصبحتْ طغياناً حديثاً، يحفرُ بقراراتِه قبراً لشرعيتِه. لقد خسرتْ ( إسرائيلَ) أكثرَ من تأييدِ الدبلوماسيين؛ لقد خسرتْ مكانتَها في السرديةِ الإنسانية. أصبحتْ “جزيرةً نووية” في محيطٍ من الرفض والقيء، قوتُها العسكريةُ تقابَلُ بضعفِ موقفِها الأخلاقي، وصواريخُها لا تُسقطُ طائراتٍ فحسب، بل تُسقطُ آخرَ ما تبقّى من ستارِ الشرعية الموسومة بسام.
في تلك القاعةِ الفارغةِ إلا من صدى الكلماتِ البائدة، كان العالمُ يشهدُ ولادةَ نظامٍ دوليٍ عفوي جديد. لم يعدْ الصراعُ حولَ الأرضِ وحدها فقط ، بل أصبحَ معركةً بين منطقِ القوةِ وقوةِ المنطق. العزلةُ التي تعيشها (إسرائيلُ ) اليومَ هي النذيرُ بأنّ القانونَ الأخلاقيَّ للكونِ لا يُقهَر كما نأمل دائما . فالشعوبُ قد تَسكُتْ لحظة، لكنّ صوتَ العدالةِ لا يموت. والجدرانُ التي يبنيها الخوفُ ستسقطُ حتماً تحت وطأةِ إرادةِ الحياة.
عاشت إيطاليا المغلقة من شوارع المترو ، وعاشت إسبانيا في البحر …