2:27 صباحًا / 19 أكتوبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة أدبية في قصيدة “رسائل إلى غَيْدي” ، بقلم : الناقد والدكتور العراقي عادل جودة

قراءة أدبية في قصيدة "رسائل إلى غَيْدي" ، بقلم : الناقد والدكتور العراقي عادل جودة

قراءة أدبية في قصيدة “رسائل إلى غَيْدي” ، بقلم : الناقد والدكتور العراقي عادل جودة


تمثل القصيدة “رسائل إلى غَيْدي” للشاعرة رانية مرجية متتالية شعرية وجدانية تُصوِّر رحلة مواجهة مرض السرطان ليس كمعركة عدائية بل كمسيرة إنسانية عميقة لإعادة اكتشاف الذات والمحيط ومعنى الحياة. تستند القراءة إلى تحليل البنية والصور والأفكار.

أولاً: العنوان والبنية العامة

· العنوان “رسائل إلى غَيْدي”: يحمل العنوان طابعًا حميميًا مباشرًا (نداء “غَيْدي”)، ويوحي بالاتصال الشخصي العميق وكسر حاجز الوحدة الذي يفرضه المرض.


كلمة “رسائل” (بالجمع) تشير إلى استمرارية الحوار والدعم وليست مجرد قصيدة واحدة.
-· البنية المقطعية: القصيدة مبنية على سبعة مقاطع متتالية، كل مقطع يركز على جانب نفسي أو فلسفي مختلف من تجربة المرض، مما يخلق تأثيرًا تراكميًا يشبه فصول رواية أو مذكرات وجدانية.

ثانياً: تحليل المقاطع والصور الشعرية

١- الضيف الثقيل: إعادة تعريف المرض

-· الصورة المركزية: “ضيف اسمه السرطان”. هذه الصورة مفصلية، فهي تستبدل صورة “العدو” المستهلكة بصورة “الضيف الثقيل” أو “الامتحان”. هذا التحول الدلالي يخفف من حدة المواجهة وينقلها من حرب استنزاف إلى حالة من التعايش والتأمل.
-· المفارقة: بينما “يطرق جسدك كل يوم” (الفعل العنيف)، يكون الرد بـ “بابًا لا يُفتح إلا على الأمل”.
هذه المفارقة تؤسس لثنائية الجسد/الروح التي ستتكرر في القصيدة.

٢- المرآة الصامتة: ثنائية المظهر والجوهر

-· الصورة المركزية: المرآة. المرآة التقليدية تعكس التغيرات الجسدية (“التعب”، “تغيّر الملامح”)، لكن الشاعر يقدم “مرآة” بديلة هي نظرة الحب، التي ترى “جمالًا لا يلمسه المرض”.
-· الفكرة الفلسفية: تأكيد أن “الجوهر لا ينكسر”. المرض يصيب الغلاف الخارجي للإنسان، لكنه يعجز عن مسّ كينونته الداخلية.

٣- البحر والجزيرة: استعارة الصمود

-· الصورة المركزية: استعارة كاملة حيث الألم هو “مدّ البحر” الذي “يجتاح” و”يصرخ”، بينما المريض هو “الجزيرة الثابتة”.
-· ديناميكية الصورة: تعبر عن طبيعة الألم المتراوحة بين الهجوم والانحسار. تكمن قوة الجزيرة في ثباتها، وليس في منع الأمواج من الاصطدام بها. هذه صورة واقعية عن التعايش مع الألم المزمن.

٤- مدرسة الصبر: تحويل المعاناة إلى معرفة

-· الصورة المركزية: “أنتَ معلمي في الصبر”. هنا يقلب الشاعر الأدوار
فالمريض الذي يُفترض أن يكون متلقيًا للعطف، يصبح مصدرًا للتعلم (“مدرسة”).
-· المفارقة البلاغية: “جسدك المثقل وروحك الخفيفة”. التضاد بين “المثقل” و”الخفيفة” يلخص جوهر الرسالة:
ثقل الجسد لا يقيد خفة الروح بل قد يمنحها عمقًا جديدًا.

٥- مناجاة: البحث عن المعنى الديني

-· الحوار الداخلي: السؤال الوجودي الكلاسيكي “لماذا غَيْدي؟” يتم الإجابة عليه ليس بتفسير منطقي، بل بتأويل روحاني.
المرض هنا ليس عقابًا أو صدفة، بل هو وسيلة “ليحوّل الألم معنى”، ويصبح الوجع “صلاة تمشي على الأرض”. هذا يضفي على المعاناة بُعدًا قدسيًا.

٦- الرفاق الجدد: اكتشاف جمال البشر

-· تحويل النظرة: لم يركز المرض على الجانب السلبي فحسب، بل كشف عن “أيادٍ بيضاء” ووجوه إنسانية لامعة (الممرضة “كأنها ملاك”، الصديق العائد).
المرض هنا يطهّر العلاقات ويظهر جوهرها الحقيقي.
-· التضخيم الشعري: الكلمة الصغيرة “تكبر في قلبك كأنها حياة جديدة”. يظهر هذا مدى حساسية المشاعر وقوة التفاصيل البسيطة في أوقات الأزمات.

٧ – حين يبتسم الألم: الذروة الفلسفية

-· أقوى مفارقة في القصيدة: “صار الألم فيك وجهًا آخر للابتسامة”. هذا لا يعني إنكار الألم، بل الاعتراف بقدرة الإنسان على احتوائه وتحويله إلى مصدر لقوة داخلية.
-· إعادة تعريف الموت: الخاتمة قوية وجريئة، حيث يتم تجاوز مفهوم الموت البيولوجي إلى “وصال أعظم”، مما يشير إلى فكرة الخلود الروحي أو الاتحاد مع قوة كونية أعلى، مما يزيل الرعب من فكرة النهاية.

ثالثاً: السمات الأسلوبية

١- اللغة: لغة شفافة، مباشرة ولكنها عميقة، تخلو من التعقيد اللفظي لصالح التأثير العاطفي والفكري.
٢- التكرار: تكرار نداء “غَيْدي” في بداية المقاطع يشبه الترديد في الصلاة، مما يعمق الإحساس بالمناجاة والوقوف إلى جانب المحبوب.
٣- الرمزية: استخدام رموز كونية واضحة (البحر، الجزيرة، المرآة) يجعل التجربة الشخصية قابلة للتعميم على كل إنسان يواجه محنة.

// الخاتمة :

“رسائل إلى غَيْدي” ليست قصيدة رثاء أو مواساة تقليدية بل هي سرد ملحمي مصغّر لانتصار الروح الإنسانية.
إنها تقدم فلسفة للحياة في مواجهة الموت حيث يصبح المرض مسارًا لاكتشاف قيم جديدة مثل الصبر والحب والجمال الخفي والإيمان.
القصيدة نجحت في تحويل قصة ألم شخصية إلى رسالة عالمية عن (المرونة والصمود) (إيجاد المعنى في المعاناة).

تحياتي واحترامي

رسائل إلى غَيْدي
بقلم رانية مرجية
1) الضيف الثقيل

غَيْدي…

يسكنك ضيف اسمه السرطان.

لا أسميه عدوّك، بل امتحانك.

يطرق جسدك كل يوم،

لكنني أرى في عينيك بابًا لا يُفتح إلا على الأمل.

2) المرآة الصامتة

أنظر إليك حين تتأمل وجهك في المرآة.

أعرف أنك ترى التعب،

لكنني أرى في عمقك جمالًا لا يلمسه المرض.

غَيْدي…

الملامح تتغيّر، أما الجوهر فلا ينكسر.

3) البحر والجزيرة

أراكَ حين يجتاحك الألم كمدّ البحر.

يتملكك، يصرخ بك.

لكن سرعان ما ينحسر،

وتبقى أنتَ الجزيرة الثابتة،

تُقاوم الموج ولا تُغرقك العواصف.

4) مدرسة الصبر

غَيْدي،

أنتَ معلمي في الصبر.

كل نفسٍ تأخذه،

كل صباح تنهض فيه،

هو درس لا يكتبه كتاب،

بل يكتبه جسدك المثقل وروحك الخفيفة.

5) مناجاة

أقول لله: “لماذا غَيْدي؟”

ثم أسمع صوتًا داخليًا يجيب:

“لأنه قادر على أن يحوّل الألم معنى،

ويجعل من الوجع صلاة تمشي على الأرض.”

6) الرفاق الجدد

السرطان لم يعرّفك فقط على الوجع،

بل على أيادٍ بيضاء.

ممرضة تمسح عرقك فتضيء كأنها ملاك،

وصديق يعود بعد غياب طويل ليقول لك كلمة صغيرة…

فتكبر في قلبك كأنها حياة جديدة.

7) حين يبتسم الألم

غَيْدي،

حتى إن كان هذا المرض ينهشك،

فهو لا يعرف كيف يطفئ نبضك.

لقد صار الألم فيك وجهًا آخر للابتسامة.

وأنا أتعلم منك أن النهاية ليست موتًا،

بل وصالٌ أعظم.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

الرئيس محمود عباس يستقبل وفدا من اتحاد المقاولين الفلسطينيين

شفا – استقبل رئيس دولة فلسطين محمود عباس ” ابو مازن ” ، اليوم السبت، …