5:16 مساءً / 21 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

خلة الضبع إنموذجا للتطهير العرقي الصامت ، بقلم : بديعة النعيمي

خلة الضبع إنموذجا للتطهير العرقي الصامت ، بقلم : بديعة النعيمي

إن اقتلاع حياة قرية خلة الضبع في مسافر يطا جنوب الخليل، هو استكمال لمسلسل ممنهج من التهجير وتفريغ الأرض من أهلها بحجج “مناطق التدريب العسكرية”، لذلك فقد أقدمت جرافات الاحتلال أمس على مسح القرية عن الوجود، وشردت بذلك، ما تبقى من أهلها البالغ عددهم نحو ١٢٠ نفسا، وهدمت كهوفا يسكنونها، وعروشا ومستودعات بدائية، وخياما، وخزانات مياه، ومراحيض متنقلة.

وتجدر الإشارة أن أهل القرية سبق أن فقدوا منازلهم ال ٢٥ قبل شهور، ومع غياب المأوى، اضطروا للعودة إليها، والعيش في الخيام والكهوف، ليأتي الهدم الثاني ليقضي على ما تبقى من مأوى واستقرار.

أما الادعاءات التي تبرر الإخلاء بحجة أن المنطقة منطقة “تدريب عسكري”، فسرعان ما تكشف زيفها. فوفقا لتقارير بتسيلم وهيومن رايتس ووتش فأن هذه المناطق نادرا ما تستخدم فعليا لأغراض تدريبية، بل تستعمل كأداة قانونية لمنع الوجود الفلسطيني وتجميد أي إمكانية لتوسع سكاني أو عمراني.

وقد اعترفت دولة الاحتلال عام ٢٠١٢ أمام ما تسمى “محكمة العدل العليا” أن بعض القرى داخل منطقة إطلاق النار كانت مأهولة قبل الإعلان عنها كمناطق عسكرية، ومع ذلك أصرت على الإخلاء بحجة “ضرورات أمنية تشغيلية”.

أما قادة الاحتلال فإنهم لا يخفون هذه النوايا. فها هو الجنرال “آفي مزراحي”، القائد السابق للمنطقة الوسطى، عام ٢٠١٣ بقوله “علينا أن نبقي السيطرة على جنوب جبل الخليل لتفادي التمدد الفلسطيني نحو مناطقنا الأمنية”.

هذه “السيطرة” تعني ببساطة إفراغ الأرض من أصحابها الشرعيين.


أما وزير الأمن القومي “إيتمار بن غفير”، من جهته، فقد عبر بصراحة عن رؤيته حين قال في تصريح له على صحيفة “هآرتس” “مسافر يطا يجب أن تكون تحت الحكم الإسرائيلي الكامل، والوجود العربي فيها تهديد ديموغرافي يجب التعامل معه.”

غير أن هذه التصريحات لم تحرك المجتمع الدولي، ببساطة لأنه متواطئ. ولم تستنفر “الأمم المتحدة” لأنها لولا دولة الاحتلال لما كانت. أما حكام العرب فهم قصة أخرى، فقد أثبتوا منذ زمن بعيد، أن لا علاقة لهم بشيء، عدا الطاعة التي أضاعت فلسطين. فكيف باليوم وتحديدا بعد السابع من أكتوبر.


وأستغرب ممن يتساءلون عن الدم العربي الذي لا ينتفض لما يحصل من كوارث في فلسطين عامة وغزة خاصة، وأذكرهم بمقولة “جولدا مائير” التي قالتها صراحة “سيتفاجأ العرب ذات يوم أننا أوصلنا أبناء إسرائيل إلى حكم بلادهم”. فلا غرابة إذن.

وبموجب الاتفاقيات الكاذبة ومع علمنا بأنها ليست ذات فائدة وأن فلسطين لطالما كانت ولا تزال مستثناه منها، فإن التهجير القسري، حتى وإن كانت خيمة أو خزان ماء، هو جريمة حرب بموجب المادة ٤٩ من اتفاقية “جنيف الرابعة”. ولكن كما يقال لمن أشكو همي والقاضي غريمي؟.

في النهاية، ما حدث في خلة الضبع من مسح وتطهير عرقي ليس إلا تنفيذ حرفي لمخطط قديم يتسارع بهدوء هذه الأيام. فدولة الاحتلال تدرك أن التهجير التدريجي والبطيء لا يثير الإعلام. وطالما أن عمليات الهدم تتم بدون إراقة نقطة دم، فلن تتصدر العناوين. لهذا، فإن القرى الصغيرة تمحى، لا بصاروخ، إنما بمعادلة صهيونية واضحة مفادها أن “الأرض لنا، والفلسطينيون زوائد يجب التخلص منها”.

هكذا مسحت خلة الضبع عن الوجود. ولم يبقى من المشهد الحزين سوى عائلة تحمل خيمتها الممزقة على ظهر حمار، وأطفال بلا مدارس، وأصحاب حق ينظرون إلى الجرافات وهي تبتلع ما تبقى من أمان.

شاهد أيضاً

الرئيس محمود عباس يرحب بإعلان رئيس الوزراء البريطاني الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وذات السيادة

الرئيس محمود عباس يرحب بإعلان رئيس الوزراء البريطاني الاعتراف بدولة فلسطين المستقلة وذات السيادة

شفا – رحب رئيس دولة فلسطين محمود عباس، بإعلان رئيس الوزراء البريطاني السير كير ستارمر، …