12:19 مساءً / 20 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

هل خرجت بريطانيا وفرنسا من العباءة الأميريكية ؟ ، بقلم : د. دانييلا القرعان

هل خرجت بريطانيا وفرنسا من العباءة الأميريكية؟ بقلم : د. دانييلا القرعان

الجواب على هذا السؤال يقودنا إلى سؤال آخر، ما سبب إقدام بريطانيا وفرنسا على الاعتراف بالدولة الفلسطينية في هذا الوقت بالذات؟ حتمًا، ذلك يحمل أبعادًا سياسية ودبلوماسية عميقة يمكن فهمها على أكثر من مستوى. ففي البعد السياسي والدبلوماسي، إن الاعتراف الرسمي من دولتين بحجم بريطانيا وفرنسا، وهما عضوان دائمان في مجلس الأمن وفاعلان رئيسيان في القارة الأوروبية، يعزز شرعية الدولة الفلسطينية على المستوى الدولي، ويضغط باتجاه إنهاء الاحتلال الإسرائيلي، ويُعتبر رسالة مباشرة لإسرائيل بأن استمرار سياسة الاستيطان والمماطلة في المفاوضات لم يعد مقبولًا دوليًا، عدا أنه يضع الولايات المتحدة في موقف صعب، إذ طالما عرقلت الأخيرة أي خطوات دولية من هذا النوع لصالح التوصل إلى حل تفاوضي وفق شروطها.

ويشكل الاعتراف في البعد الأوروبي خطوة أولى نحو موقف أوروبي موحد أو شبه موحد، يعزز الوزن الأوروبي في الملف الفلسطيني–الإسرائيلي، ويمكن أن يلهم دولًا أوروبية أخرى للحاق بالركب، عدا إسبانيا التي سبقت الجميع، مثل ألمانيا أو إيطاليا ودول الشمال. على صعيد البعد القانوني، الاعتراف يمنح الفلسطينيين دفعة قوية في المؤسسات الدولية، بما فيها الأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، ويحمل قيمة رمزية كبيرة للفلسطينيين كشعب يسعى للاعتراف بحقوقه، ويعيد إحياء الأمل في مشروع دولة مستقلة لهم. أما ما يخص البعد الإقليمي، فهو يعطي دفعة للمبادرة العربية والإسلامية الداعمة للقضية الفلسطينية، ويعزز مكانة الدول الأوروبية لدى الرأي العام العربي والإسلامي الذي يراقب مواقفها تجاه العدوان على غزة والاستيطان.

أما التداعيات المتوقعة على هكذا قرار فقد يدفع ذلك إسرائيل إلى مزيد من التصلب ورفض التعامل مع هذه الدول دبلوماسيًا، أو اتخاذ إجراءات انتقامية. في المقابل، قد يفتح الباب لموجة ضغوط دولية أوسع تجبر إسرائيل على العودة لطاولة المفاوضات بجدية أكبر. باختصار، هذه الخطوة تعني تحولًا نوعيًا في الموقف الدولي تجاه الصراع، من إدارة الأزمة إلى محاولة فرض حلٍّ يقوم على الاعتراف العملي بحق الفلسطينيين في دولة مستقلة.

يلقى السؤال الأهم الذي يطرح نفسه بقوة: ما سبب انتقال البلدين من تأييد واضح لإسرائيل إلى خطوة اعتراف بالدولة الفلسطينية؟ هل هذا يمثل مفاجأة أم نتيجة تراكمات وظروف داخلية ودولية؟ للإجابة على هذا السؤال يمكن الإشارة إلى:

أولًا، التحول الميداني خصوصًا حرب غزة، فالمشاهد القاسية والدمار الهائل والضحايا المدنيون، خاصة الأطفال والنساء، وضعت الحكومات الأوروبية تحت ضغط شعبي وأخلاقي، والرأي العام في بريطانيا وفرنسا أصبح أكثر تعاطفًا مع الفلسطينيين، ما دفع السياسيين إلى مراجعة مواقفهم السابقة.

ثانيًا، إخفاق المسار التفاوضي الذي مضى عليه عقود لم تحقق حلم قيام الدولة الفلسطينية، بل شهدت توسعًا استيطانيًا إسرائيليًا. وهنا بات واضحًا للأوروبيين أن دعم إسرائيل بلا شروط يعني تكريس واقع “لا دولة للفلسطينيين”، وهذا برأيهم يهدد الأمن والاستقرار الإقليمي.

ثالثًا، ضغوط الجاليات العربية والمسلمة في بريطانيا وفرنسا وأحزاب المعارضة التي تستثمر الموقف من فلسطين كورقة سياسية، فالاعتراف بالدولة الفلسطينية يساعد الحكومات على امتصاص الغضب الشعبي ويظهرها في صورة “المدافعة عن العدالة”. كل هذا يعني أن أوروبا لا تريد أن تظل مجرد تابع للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، والاعتراف يوجه رسالة استقلال عن واشنطن.

رابعًا، هذه الدول تدّعي أنها حامية حقوق الإنسان والقانون الدولي. بالتالي، استمرار دعمها المطلق لإسرائيل يتناقض مع هذه القيم، والاعتراف بفلسطين يساعد على ترميم صورتها أمام الشعوب العربية والإسلامية وحتى أمام الرأي العام العالمي.

لكن علينا أن نفهم نقطة أهم من كل هذا وذاك، انتقال بريطانيا وفرنسا ليس تخليًا عن إسرائيل تمامًا، بل هو توازن جديد يسعى للحفاظ على العلاقات مع إسرائيل مع محاولة إرضاء الرأي العام العالمي والداخلي عبر الاعتراف بفلسطين، وهو أشبه برسالة ضغط تقول: “نحن مع أمن إسرائيل لكن لن نتجاهل حق الفلسطينيين بعد الآن”. والله أعلم.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم السبت

اسعار الذهب اليوم السبت

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم السبت 20 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …