11:23 مساءً / 19 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

هوية التعليم الطارئ في فلسطين بين جدلية البقاء والمقاومة وصياغة السياسات التعليمية ، بقلم : ياسر أبوبكر

هوية التعليم الطارئ في فلسطين بين جدلية البقاء والمقاومة وصياغة السياسات التعليمية ، بقلم : ياسر أبوبكر

جاء مقال نسيم قبها عن هوية التعليم الطارئ في حالات الطوارئ نصًّا مشحونًا بالمعنى والرمزية، يفيض بالوعي التربوي وبالقدرة على استحضار التجربة الفلسطينية كمرآة لتجارب عالمية أخرى. قوة المقال تكمن أولًا في لغته الحيّة التي تجمع بين الأدب والفكر، وثانيًا في قدرته على رسم صورة بانورامية للتعليم تحت النار: مدرسة تتحول إلى ملجأ، معلم إلى مرشد نفسي، وطالب إلى شاهد وفاعل في آن. إن الطرح جاء إيجابيًا، إذ لم يقف عند حدود البكائية أو التوصيف الكارثي، بل تجاوز ذلك ليؤكد أن التعليم في ذاته فعل مقاومة وأن القلم الحرّ أقدر على البقاء من الدبابة.

ولذلك فإن ثراء النص وعمقه، جعل من السؤال العملي حاضرًا: كيف يمكن ترجمة هذه الهوية التربوية المرنة إلى سياسات تعليمية واضحة تحفظ للمدرسة دورها وتمنح الطالب حقه وتدعم المعلم في صموده؟ هنا تكمن الأهمية؛ فبدون خطوات ملموسة يصبح التعليم الطارئ مجرد شعار لا يتجاوز الحبر على الورق.

إذا كانت المدارس الفلسطينية قد تحولت في زمن الطوارئ إلى فضاءات مقاومة، فإن تجربة الحركة الأسيرة داخل سجون الاحتلال تقدم نموذجًا ناصعًا لكيفية تحويل القيد إلى فضاء للتعلم. الأسرى صاغوا من زنازينهم مناهج للتعليم الذاتي، نظموا حلقات نقاشية، وحوّلوا العزلة إلى فرصة لصناعة عقل جماعي. من هذه التجربة يمكن استخلاص خطوات عملية للسياسات التعليمية الطارئة، يمكن تلخيصها كالتالي:

  1. ترسيخ التعليم كحق غير قابل للتعطيل: كما أصرّ الأسرى على التعلم رغم الجدران الحديدية، يجب أن تصر السياسات على استمرار التعليم في كل الظروف كضرورة وجودية، لا مجرد خدمة عامة.
  2. بناء مناهج مرنة وقابلة للتكيف: المنهج الذي يُدرّس في الطوارئ ينبغي أن يتسع لحل المشكلات، الدعم النفسي، وحماية الهوية، تمامًا كما ابتكر الأسرى مناهج خاصة بواقعهم داخل السجون.
  3. إعداد المعلم متعدد الأدوار: تدريب المعلم ليكون مربياً، مرشدًا نفسيًا، وفاعلًا مجتمعيًا، على غرار ما قام به الأسرى الذين لعبوا أدوارًا تربوية وإرشادية متبادلة فيما بينهم.
  4. تعزيز التعلم التعاوني والمجتمعي: تحويل الصفوف الطارئة إلى دوائر للتعاون والتشارك، مستلهمين من حلقات النقاش الجماعي في المعتقلات التي بنت معرفة جماعية متينة.
  5. آليات دعم نفسي واجتماعي مؤسسي: الاعتراف بالآثار النفسية للطوارئ ودمج استراتيجيات التعافي في التعليم نفسه، بدل أن تبقى هذه المهمة في الهامش.
  6. توظيف الموارد البسيطة بذكاء: كما جعل الأسرى من الورق والكتب القليلة مكتبات متنقلة، على السياسات أن توجه المدارس لاستثمار الموارد المحدودة بإبداع.
  7. تدوين التجارب وبناء ذاكرة تربوية: كل مدرسة في الطوارئ يجب أن تتحول إلى مركز لتوثيق التجربة، كما دوّن الأسرى تجاربهم لتصبح لاحقًا رصيدًا معرفيًا للأجيال.

لقد أصاب نسيم قبها حين أكد أن التعليم في الطوارئ هوية مركبة بين الأمل واليأس، بين الحياة والموت. لكن قوة هذه الهوية لا بد أن تُختبر في السياسات التي تجعل المدرسة قادرة على الاستمرار.


التجربة الفلسطينية، وبخاصة تجربة الحركة الأسيرة، تبرهن أن التعليم لا ينهزم حتى في أحلك الظروف، بل يزدهر كفعل مقاومة وصناعة مستقبل. المطلوب اليوم أن تتحول هذه الروح إلى خطة تربوية عملية، تجعل من التعليم الطارئ ليس مجرد استجابة آنية، بل ركيزة لبناء غد أفضل.

شاهد أيضاً

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

قوات الاحتلال تقتحم بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم

شفا – اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي، مساء اليوم الجمعة، بلدة بيت فجار جنوب بيت لحم. …