4:06 مساءً / 19 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

هوية التعليم الطارئ في حالات الطوارئ بين الفعل والمقاربة ، بقلم : نسيم قبها

هوية التعليم الطارىء في حالات الطوارئ بين الفعل والمقاربة ، بقلم : نسيم قبها

كثيرا ما شكلت الحالة الفلسطينية المغايرة نموذجاً فريداً في سياق التعليم الطارئ، حيث تتحول المدارس بفصولها من فضاءات للتعلم إلى ملاذات تأوي البشر والحجر، وتتحول الحصص الدراسية إلى فترات تأمل بين القصف والتهجير والموت أيضا . لكن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه: ما هي هوية التعليم الطارئ في هذه الظروف؟ وكيف يمكن لهذا التعليم أن يحافظ على جوهره التربوي بينما يعيش في قلب العاصفة التي لا ترقد؟

الهوية بين الثبات والتحول

الهوية التربوية للتعليم في حالات الطوارئ ليست كياناً ثابتاً، بل هي عملية ديناميكية تتشكل في الممارسة اليومية تحت وطأة الظروف. ففي المدارس الفلسطينية عجيبة المحتوى ، تنشأ هوية تعليمية تعلمية هجينة، تجمع بين ما هو أكاديمي وما هو نفسي، بين ما هو وقائي وما هو علاجي، بين المنهاج الرسمي المصفوف بين دفتيّ كرّاسة وبين منهاج الحياة القاسية التي لا تنتظر.

هذه الهوية لا تنفصل عن السياق التاريخي المستمر للنضال الفلسطيني من أجل البقاء والتحرر، حيث يصبح التعليم شكلاً من أشكال المقاومة الوجودية أو العكس ، حين تصبح المقاومة اول درس في التعليم . فالمدرسة، حتى وهي تحت القصف، تظل ترمز لرفض الإبادة وتمسكاً بالحق في المستقبل.

المقاربات العالمية: دروس مستفادة

عند مقارنة التجربة الفلسطينية بتجارب عالمية أخرى، نجد نقاط تقاطع نسبية وافتراق نسبي أيضا . ففي سوريا، تحولت بعض المدارس إلى مراكز إيواء، واضطر المعلمون لتطوير أساليب بدائية للتعليم تحت الحصار. وفي اليمن، أصبحت الفصول الدراسية تقام في الكهوف والأماكن تحت الأرضية. أما في مخيمات اللاجئين، فإن التعليم يأخذ طابعاً مؤقتاً يفتقر للاستقرار.

لكن الخصوصية الفلسطينية تكمن في استمرارية حالة الطوارئ لأجيال متعاقبة، مما خلق خبرة تراكمية في تطوير أشكال مرنة من التعليم القادر على التكيف مع ظروف متغيرة. فالتعليم والتعلم هنا ليس مجرد استجابة لأزمة عابرة، بل هو جزء من هوية شعب صامد تواجهه أزمة وجود مستمرة.

الأبعاد الفلسفية والاجتماعية

من الناحية الفلسفية، يطرح التعليم في حالات الطوارئ أسئلة عميقة حول معنى التربية وغاياتها. هل الهدف هو الحفاظ على المعرفة ونقلها؟ أم تهيئة النشء لمواجهة التحديات؟ أم بناء القدرة على التكيف والصمود ، …..؟ الحقيقة أن التعليم الطارئ يحمل كل هذه الأبعاد معاً، مما يجعله شكلاً تربوياً بيداغوجيا فريداً.

اجتماعياً، تتحول المدرسة الفلسطينية في زمن الطوارئ إلى مركز مجتمعي متعدد الوظائف. فالمعلم ليس ناقلاً للمعرفة فقط، بل عاملاً نفسياً، ومرشداً صحياً، وحتى مساعداً إغاثياً. والطالب ليس متلقياً سلبياً، بل شاهداً على التاريخ وقسوته ، وناقلاً للرواية ودمويتها، وشريكاً في صناعة المرونة الاجتماعية المجتمعية.

التحديات والفرص

تواجه هوية التعليم الطارئ تحديات جسيمة، أبرزها: صعوبة الحفاظ على الجودة الأكاديمية خاصة في ظل فاقد تعلمي تعليمي مستمر ، ونقص الموارد في ظل شحّ الموازنات ، والآثار النفسية على الطلاب المضبوعين والمعلمين المقهورين، وعدم الاستقرار الذي يعيق التخطيط طويل المدى.

لكن في المقابل، تخلق هذه الظروف فرصاً لإعادة تخيل التعليم بشكل أكثر مرونة وإبداعاً. فالتعليم الطارئ ينتج معرفة متجذرة في الواقع، وتعلماً قائماً على حل المشكلات، ومناهج يفترض أن تتسم بالمرونة والتكيف. كما يولد روابط إنسانية اجتماعية أعمق بين المعلم والطالب، وبين المدرسة والمجتمع بشكل وثيق.

نحو رؤية مستقبلية

لتعزيز هوية التعليم الطارئ، نحتاج إلى نموذج تربوي بين الأبعاد الأكاديمية والنفسية والاجتماعية. نموذج يعترف بالخصوصية الفلسطينية دون أن ينغلق على نفسه، بل يفتح حواراً مع التجارب العالمية المماثلة.


هذا النموذج يجب أن يستند إلى رؤية واضحة تدمج بين التعليم كحق إنساني أساسي ، والتعليم كأداة للصمود والمقاومة السلمية غير العاجزة ، والتعليم كجسر نحو المستقبل رغم ظروف الحاضر القاسية ، وانتهاء بالتعليم كفضاء للتعافي النفسي والاجتماعي

إن الهوية التربوية للتعليم في حالات الطوارئ في فلسطين ، هي هوية مركبة، تحمل في طياتها مأساة الواقع وآمال المستقبل. هي هوية تقف على الحافة بين الحياة والموت، بين الدمار والبناء، بين اليأس والأمل. لكنها تظل هوية تتمسك بالحياة وتؤمن بأن التعليم، حتى في أحلك الظروف، يظل شمعة مضيئة في عتمة الأنفاق، وبذرة للغد الأفضل الذي لابد آت . فالتعليم في زمن الطوارئ ليس ترفاً، بل ضرورة وجودية. وهو ليس مجرد عملية نقل للمعرفة، بل إعلان إيمان بالمستقبل، وتأكيد على أن القلم الحرّ أقوى من الرصاص، وأن الفكر أبقى من الدبابة، وأن الإنسان بفطرته في النهاية، سيظل يرفض الاستسلام ويمضي قدماً نحو غد أفضل ولو بعرجة في ممشاه الفضيل.

  • – نسيم قبها – باحث في الشأن التربوي
    الإئتلاف التربوي الفلسطيني
    الحملة العربية للتعليم

شاهد أيضاً

بهية الحريري تستقبل سفير فلسطين الجديد في لبنان محمد الأسعد

بهية الحريري تستقبل سفير فلسطين الجديد في لبنان محمد الأسعد

شفا – استقبلت رئيسة مؤسسة الحريري للتنمية البشرية المستدامة السيدة بهية الحريري في مكتبها في …