10:28 صباحًا / 17 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

قراءة أدائية في قصيدة “قصة إنسان – سفر الثورة والخلود” للشاعرة رانية مرجية بقلم : الناقد عادل جودة ‏

قراءة أدائية في قصيدة “قصة إنسان – سفر الثورة والخلود” للشاعرة رانية مرجية بقلم : الناقد عادل جودة ‏


‏تمثل هذه القصيدة ملحمة شعرية حديثة، تُعيد صياغة أسطورة الصمود الفلسطيني في قالب إنساني كوني. إنها ليست مجرد سرد لأحداث، بل هي سفرٌ عبر مشاهد متعاقبة تكشف عن جوهر المقاومة والوجود والخلود.



‏أولاً: البنية الفنية والدرامية

‏١ – العنوان والبناء المسرحي: العنوان الفرعي “سفر الثورة والخلود” يرفع القصيدة من مستوى النص إلى مستوى الملحمة أو السفر المقدس.
‏ استخدام كلمة “مشهد” لعنونة المقاطع يحوّل القصيدة إلى مسرحية شعرية، حيث يكون “الإنسان” هو البطل التراجيدي/الملحمي، والأرض والجدات والأطفال شخصيات رئيسة تدور حوله.
‏هذا يخلق حبكة درامية متصاعدة تبدأ بالولادة وتنتهي بالخلود.
‏٢ – ضبط الإيقاع: الإيقاع غير منتظم، يشبه أناشيد الترتيل أو النداءات الحماسية.
‏يعتمد على تكرار المقاطع الصوتية (“يحملك إن وقعت، وتردك إن ضللت”) والجمل الفعلية القصيرة (“هو الإنسان، يمشي في الأزقة”) لخلق إحساس بالحضور الفوري والزخم الثوري.

‏ثانيًا: المحاور الموضوعية والرموز

‏تنطلق القصيدة من محورين رئيسين: الثورة كفعل حاضر ومستمر، والخلود كنتيجة حتمية ومصير أبدي.

‏ ١ – رمزية “الإنسان”: ليس اسماً لشخص، بل هو نموذجٌ أرستقراطي للمقاوم.
‏إنه “الملك” الذي “تتكسر الأمواج على صدره” تحية له. هو تجسيد للإرادة الجماعية، “حاملًا في يده حجرًا، وفي قلبه مجرة كاملة”.
‏ هذه المفارقة بين بساطة السلاح (الحجر) وضخامة الروح (المجرة) هي لبُّ الجمالية الثورية في القصيدة.
‏٢ – الأم/الوطن: الأرض ليست مكاناً جغرافياً، بل هي كائن حي، أمٌّ شامخة تتكلم (“قالت الأرض: يا ابني، أنت دمي”).
‏ هذه العلاقة العضوية (“ستعود في جذور الزيتون”، “ستزهر أزهاري من قبرك”) تُقدّم فكرة أن الشهادة ليست فناءً، بل هي استمرار حيوي وطبيعي.
‏الوطن “أمّ” لا تُستَبدَل أو تُشترى.
‏٣ – ذاكرة لا تُهزم: المقطع الثامن (“معركة الذاكرة”) هو قلب القصيدة الفكري.
‏ الذاكرة هنا ليست سلبية، بل هي “ميدان حرب” وفعل مقاومة يومي.
‏ “المفاتيح” و”صور البيوت” و”أغان لم تكتمل” في منفى المشهد الرابع، وأسماء القرى على الجدران، كلها أدوات تحول الذاكرة من شيءٍ من الماضي إلى سلاح حاضرٍ وقاهر (“سيف يُشهره الأطفال”).
‏٤ – الأطفال والجدات: استمرارية النضال: يمثل الأطفال والجدات طرفي نقيض زمني، لكنهما يتحدان في معنى واحد: استمرارية المقاومة.
‏ • الجدات: يحفظن التراث ويُمرّرن الحكاية ويخبزن “الخبز بالدموع”.
‏ هنَّ جسرٌ إلى الماضي وحصنُ الحكمة.
‏ • الأطفال: هم المستقبل، “عيونهم أوسع من السماء”، وحجارتهم “تهزم جيوشًا”.
‏ضحكاتهم “رصاصة من نور”. هنا تُقلَب المعايير: الضحكة سلاح، واللعبة وعدٌ بالحرية، مما يخلق رؤية مفعمة بالأمل حتى في أحلك الظروف.
‏٥ – الخلود عبر الأجيال: فكرة الخلود لا تُقدّم بشكل مجرد، بل من خلال الاستمرارية البيولوجية والثقافية. العودة لا تكون بخطى الإنسان وحده، بل “بأحفاده، بضحكات الأجيال التي لم ترَ الوطن لكنها تحمل ملامحه”.
‏ الخلود هو أن تتحول القصيدة الفردية إلى “شمس لا تغيب”، وأن يتحول الجسد الفاني إلى “سفر لا يُغلق”.

‏ثالثًا: الخصائص الأسلوبية

‏١ – اللغة: لغة شعرية مركَّزة، تجمع بين البساطة والعمق. تستخدم تراكيب بلاغية قوية دون تعقيد.
‏ ٢ – الصور البيانية:
‏ • الاستعارة المكنية: “ولد الإنسان من فم النار”، “روحه درع من نار”، “قلبه وطن”.
‏ • التشخيص: الأرض تتكلم، الذاكرة سيف، الضحكة رصاصة.
‏ • المفارقة: الجمع بين الموت والولادة (“مبللًا بدم الشهداء”، “ينهض من تحت الرماد طير جديد”)، وبين الصغر والقوة (“أيديهم أصغر من البنادق، لكن حجارتهم تهزم جيوشًا”).
‏ ٣ – التكرار: له وظيفة إيقاعية وتأكيدية، كما في نهاية المشهد السابع: “لن نُهزم… لن نُهزم… حتى لو انهار الكون”، مما يعزز فكرة التحدي والخلود.

‏رابعًا: الرسالة والإيحاء

‏القصيدة هي تصويرٌ لقوة الروح الإنسانية في مواجهة القمع. إنها ترفض أن تكون قصة مأساوية، وتصر على تحويلها إلى ملحمة انتصار.
‏الشاعرة لا تنعي، بل تُتوّج. تذكرنا أن المقاومة ليست بالسلاح فقط، بل هي بالذاكرة، بالزرع، بالغناء، بتعليم الأطفال، بالإيمان الراسخ بالعودة.

خاتمة :

‏”قصة إنسان – سفر الثورة والخلود” هي أكثر من قصيدة عن فلسطين. .
‏إنها أنشودة لكل إنسان يرفض الانكسار، وكل شعب يحارب من أجل هويته وحقه في الوجود.
‏ إنها تحويل المعاناة إلى جمال، والموت إلى حياة، والتاريخ إلى أسطورة حية تسير على قدمين.
‏ الشاعرة رانية مرجية تنجح في صياغة تراجيديا جماعية لا تنتهي بالموت بل تبدأ منه نحو الخلود.



‏قصة إنسان – سفر الثورة والخلود
‏رانية مرجية

‏المشهد الأول: ولادة الأسطورة
‏لم يُولد كغيره…
‏لم تُغنِّ له المهدات أغنيات النوم،
‏بل غنّت له الريح أناشيدها،
‏وصاح البحر باسمه،
‏وتكسّرت الأمواج على صدره
‏كأنها تحييه ملكًا للتراب.

‏ولد الإنسانُ من فم النار،
‏مبللًا بدم الشهداء،
‏مضمّخًا برائحة الزعتر والرغيف الساخن،
‏حاملًا في يده حجرًا،
‏وفي قلبه مجرّة كاملة.

‏المشهد الثاني: الأرض تشهد
‏قالت الأرض:
‏ “يا ابني، أنت دمي،
‏إن غبتَ يومًا
‏ستعود في جذور الزيتون،
‏وإن متَّ،
‏ستزهر أزهاري من قبرك.

‏أنا لستُ أرضًا تُباع وتشترى،
‏أنا أمّ،
‏أرضعتك الحليب ممزوجًا بالدموع،
‏وأقسمتُ أن لا يتيم لي
‏ما دمتَ حيًّا.”

‏المشهد الثالث: الإنسان المقاوم
‏هو الإنسان،
‏يمشي في الأزقة كريحٍ ثائرة،
‏يعلم الأطفال كيف ينطقون اسمهم بكرامة،
‏ويزرع في كل حجر بذرة ثورة.

‏يحمل على كتفيه
‏أحلام الفقراء،
‏وصوت الجدات،
‏وصرخة المدن المهدمة،
‏كأن روحه درع من نار،
‏وكأن قلبه وطنٌ يتسع للأبد.

‏المشهد الرابع: المنفى
‏رحل كثيرون،
‏لكن الوطن ظلّ يسكنهم.
‏حقائبهم مثقلة بالمفاتيح،
‏وصور البيوت،
‏وأغانٍ لم تكتمل.

‏في المنافي،
‏كانوا يكتبون أسماء قراهم

شاهد أيضاً

الاحتلال يعتدي على أمين سر حركة فتح في مردا نادر أبو بكر ويعتقل مواطنين في كفر الديك

الاحتلال يعتدي على أمين سر حركة فتح في مردا نادر أبو بكر ويعتقل مواطنين في كفر الديك

شفا – أصيب أمين سر حركة فتح – منطقة مردا التنظيمية، نادر أبو بكر، برضوض …