
ظلّ الحروف ، بقلم : سماحه حسون
الشعرُ، يا صديقي، لم يخلق ليتغنى وحده،
ولا ليزخرف الجدران الفارغة،
لم يخلق ليُقرأ ويُنسى،
ولا ليصبح ضجيجاً في زمنٍ ينام فيه كل شيء.
كم من شاعرٍ قضى الليل جائعاً،
وكتبه تُكدّ في الأرفف،
تخبرنا عن معارك الروح،
لكنها لم تُغنِ البطن، ولم تُدفئ القلب.
في زمن الإفساد، صار الشعر ظلّاً بلا جسد،
يتلوى بين البيوت المهدمة،
يبحث عن أذن تسمع،
عن عينٍ تلمّ الدمع قبل أن يسقط.
لكنني أكتب…
لا لأزهو بالقافية، ولا لأصنع زخارف الكلمة،
بل لأرفع الحرف ككفٍّ تمسح دموع الأطفال،
كموجة تُعيد الحياة إلى وجهٍ بائس،
كمطرٍ يغسل الأرض التي أنهكها الجوع والحرب.
الشعرُ… يا صديقي، هو وطننا الأول،
قبل الجغرافيا، قبل الحجر، قبل الخراب،
هو اليد التي تلمّ روحاً،
وهو الصوت الذي لا يخاف الصمت،
حتى لو كان كل شيء حوله ينهار.
أرى الحارات، الحقول، الأشجار، وجوه الأطفال،
وأدرك أن الكلمة وحدها قد لا تشفي،
لكنها تبدأ الطريق…
تفتح الأبواب،
وتترك لنا فرصة أن نعيد للحياة نبضها،
فرصة أن نكسر الصمت،
فرصة أن نرى الضوء،
حتى لو كان بعيداً،
حتى لو كان مستحيلاً.
وهنا، وسط الخراب،
أظل أكتب،
أنتظر من يأتي بعدي،
من يجرؤ على الحرف،
من يرفع اليد،
من يملك الشجاعة ليقول:
الشعر حي،
حتى وإن غاب الجوع،
حتى وإن صمت العالم.
سماحه حسون