
الاعتراف الكاسح بدولة فلسطين في الأمم المتحدة: تحول دبلوماسي تاريخي وآثاره المستقبلية ، بقلم : محمد زيات
في 12 سبتمبر 2025، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يدعم إعلان نيويورك بشأن حل الدولتين بين إسرائيل وفلسطين، في مشهد عكس دعمًا دوليًا واسعًا لمطالب الشعب الفلسطيني التاريخية بالحرية والاستقلال، وقد صوتت 142 دولة لصالح القرار، بينما عارضته 10 دول، وامتنعت 12 دولة عن التصويت، هذا التصويت الكاسح يمثّل نقطة تحول في المسار الدبلوماسي للقضية الفلسطينية، ويمكننا القول أنه أعادها إلى صدارة الاهتمام الدولي بعد سنوات من الجمود السياسي.
خلفية تاريخية للصراع الدبلوماسي
منذ إعلان دولة فلسطين في الجزائر في 15 نوفمبر 1988، سعت القيادة الفلسطينية آنذاك إلى تكريس الاعتراف الدولي بالدولة، وفي 2012 نجحت فلسطين في الحصول على صفة “مراقب غير عضو” في الأمم المتحدة، عبر تصويت بـ 138 صوتًا مؤيدًا، 9 معارضين، و41 ممتنعًا عن التصويت، ولكن رغم ذلك ظل الطريق مسدودًا أمام العضوية الكاملة بسبب الضغوط الأميركية والفيتو المحتمل في مجلس الأمن.
القرار الأخير في سبتمبر 2025 جاء ليثبّت ما اعتُبر تطورًا واستحقاقاً تاريخيًا، خاصة أنه جاء بعد سنوات من التصعيد العسكري، وتوسع الاستيطان، وتزايد الدعوات الدولية لضرورة إنهاء الاحتلال كشرط لتحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة.
التصويت الكاسح في الأمم المتحدة
القرار الأممي الذي صدر في 12 سبتمبر 2025 تضمن نصوصًا واضحة وصارمة، أبرزها:
1-الدعوة إلى اتخاذ خطوات ملموسة، محدودة زمنياً ولا رجعة عنها نحو حل الدولتين.
2-مطالبة حركة حماس بالإفراج عن جميع الرهائن المحتجزين.
3-دعوة حماس إلى تسليم سلاحها والتنازل عن إدارة الحكم في قطاع غزة لصالح السلطة الفلسطينية.
ورغم أن القرار غير ملزم قانونيًا، إلا أن قوته تكمن في الشرعية الدولية التي يمنحها للقضية الفلسطينية، وفي كونه يعكس إرادة أغلبية ساحقة من المجتمع الدولي.
الأبعاد السياسية والدبلوماسية
لو قمنا بتفكيك المشهد قليلاً لرأينا أن هذا القرار يحمل عدة دلالات سياسية منها:
1-يعكس تحولًا في مواقف دولية عديدة كانت سابقًا مترددة أو متحفظة، وأصبح موقفها أكثر وضوحًا إلى جانب الحقوق الفلسطينية.
2-يزيد الضغط على إسرائيل، ويضعها أمام عزلة دولية متنامية.
3-يمنح القيادة الفلسطينية دفعة قوية في المحافل الدولية، ويقوي حجتها في المطالبة بالحقوق الوطنية وفق القانون الدولي (يُذكر أن القيادة الفلسطينية تعمل منذ عقود طويلة للحصول على هذا الإستحقاق الذي طال إنتظاره)
كما أن هذا الاعتراف يمهّد لخطوات إضافية من بعض الدول الكبرى مثل فرنسا وكندا وأستراليا التي أعلنت نيتها الاعتراف الكامل بدولة فلسطين في الفترة القريبة المقبلة.
الأبعاد القانونية والحقوقية
ورغم أن القرار غير ملزم، فإنه يشكل مرجعية قانونية ومعنوية مهمة يمكن الاستناد إليها أمام محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية، خصوصًا في قضايا الاحتلال والاستيطان.
ويقوي هذا التصويت من الموقف الفلسطيني في المطالبة بعضوية كاملة في الأمم المتحدة، حتى لو واجهت هذه المحاولة عقبات سياسية داخل مجلس الأمن.
كما يمنح غطاءً قانونيًا إضافيًا لمطالب الفلسطينيين بحق تقرير المصير وفق المواثيق الدولية.
ردود الفعل الإقليمية والدولية
فلسطين: رحبت القيادة الفلسطينية بالقرار، واعتبرته إنجازًا دبلوماسيًا تاريخيًا يعكس إرادة المجتمع الدولي في دعم حقوق الشعب الفلسطيني.
الدول العربية والإسلامية: أشادت بالتصويت، معتبرة أنه يعبّرعن وحدة الموقف الدولي تجاه القضية الفلسطينية.
إسرائيل والولايات المتحدة: اعتبرتا القرار خطوة سياسية لا تعكس الواقع على الأرض، وهاجم مسؤولون إسرائيليون النصوص المتعلقة بحماس، معتبرين أنها غير واقعية.
البعد الشعبي والرمزي
لاقى القرار أصداء واسعة في الشارع الفلسطيني، حيث رآه كثيرون إنجازًا معنويًا ودليلًا على أن نضالهم الطويل لم يذهب هباءً منثورا، كما ارتفعت الآمال في أن هذا التصويت سيقود إلى اعترافات متتالية وكاملة من الدول الكبرى، ويمهّد لخطوات عملية نحو إنهاء الاحتلال.
ويحمل القرار أيضًا قيمة رمزية كبيرة، إذ جاء بعد مرور عامين على اندلاع الحرب المدمرة في غزة منذ 7 أكتوبر 2023، وما تبعها من انتهاكات إنسانية أثارت ضمير المجتمع الدولي.
السيناريوهات المستقبلية
السيناريو الأول : من المتوقع أن يشهد العالم موجة جديدة من الاعترافات الثنائية بالدولة الفلسطينية، خاصة من الدول الأوروبية والغربية.
السيناريو الثاني : قد يُعاد طرح ملف العضوية الكاملة لفلسطين في الأمم المتحدة خلال الدورة المقبلة للجمعية العامة، رغم صعوبة تجاوزه في مجلس الأمن.
السيناريو الثالث : يبقى التحدي الأكبر هو مدى قدرة المجتمع الدولي على تحويل هذا الزخم إلى خطوات عملية تُترجم على الأرض، مثل وقف الاستيطان ، إنهاء الحصار ، وضمان الحقوق الإنسانية للفلسطينيين.
وفي الختام…
يشكل قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة بتاريخ 12 سبتمبر 2025، بتأييد 142 دولة ورفض 10 دول وامتناع 12 دولة، محطة تاريخية فارقة في مسيرة النضال الفلسطيني نحو الاستقلال.
صحيح أن القرار لا يمنح فلسطين العضوية الكاملة، لكنه يرسّخ شرعية دولية واسعة ويمنح القضية زخمًا دبلوماسيًا جديدًا. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل سيترجم هذا الاعتراف إلى خطوات عملية ملموسة؟ أم سيبقى مجرد إنجاز رمزي يضاف إلى سلسلة من القرارات الدولية غير المنفذة؟
في كل الأحوال، يمكن القول إن 12 سبتمبر 2025 سيدخل التاريخ كلحظة عززت مكانة فلسطين على خريطة العالم السياسية، وأكدت أن نضالها لن يُمحى من ذاكرة الأمم