12:40 صباحًا / 13 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

سبعة أيام بعد السبعمائة من حرب الإبادة على غزة : (الحرب إلى أين)؟ ، بقلم : سالي أبو عياش

سبعة أيام بعد السبعمائة من حرب الإبادة على غزة : (الحرب إلى أين)؟ ، بقلم : سالي أبو عياش

707يوماً مرّت منذ السابع من أكتوبر 2023، وما زالت غزة تنزف بلا توقف. حربٌ صارت الأطول والأكثر دموية في تاريخ الصراع الفلسطيني–الإسرائيلي، وربما في تاريخ العالم بأسره، إذ تحوّلت من معركة عسكرية إلى زلزال إنساني وجيوسياسي يغيّر وجه المنطقة برمتها.

الواضح حتى اللحظة أنها حرب بلا أفق: فرغم المفاوضات والتصريحات السياسية وكل ما هو متداول، استخدمت إسرائيل جميع أدواتها: قصف بلا وعي، حصار خانق، اجتياحات متكررة، وتدمير ممنهج للمدينة وممتلكاتها ومعمارها الذي كان شاهداً على حياة المدينة. ورغم كل هذا، لم يتحقق النصر الحاسم الذي بشّر به قادتها. والمقاومة ما زالت تقاتل، والاشتباكات تتجدد في أكثر من محور. وبين تراجع العمليات وازدياد العدوان تصدر تصريحات عن بحث فرص السلام، لكن الواقع على الأرض يشير إلى العكس: الحرب مستمرة، والقصف يزداد، والحصار لا يلين. فغزة والقضية الفلسطينية أثبتت أنها ليست مجرد جغرافيا صغيرة، بل عقدة في قلب الشرق الأوسط لا يمكن تجاوزها، وأن أي حديث عن تهدئة يظل مجرد وهم إعلامي أمام إرادة الشعب ومقاومته.

ولست إلا كارثة إنسانية غير مسبوقة: فالمشهد الإنساني تخطّى حدود الوصف: عشرات الآلاف من الشهداء، مئات الآلاف من الجرحى، وأكثر من مليوني إنسان يعيشون بين خيام مهترئة أو أنقاض بيوتهم. المجاعة تتسع، الأمراض تنتشر، والمستشفيات بالكاد تتنفس، اليوم وبعد 707 أيام، باتت غزة أكبر مسرح مفتوح للمعاناة في القرن الحادي والعشرين. أكثر العمارات والمنازل تضرر كلياً أو جزئيا، المستشفيات بالكاد تعمل، ونقص الأدوية والمعدات الطبية يهدد حياة المرضى يوميا. الأمن الغذائي على حافة الانهيار إذ لم ينهار أساسا، والمياه النظيفة محدودة للغاية، في حين تصدر التصريحات الرسمية عن جهود للإغاثة، بينما الواقع يشهد استمرار الحصار ورفض أي تسهيلات حقيقية.

فالأبراج العالية باتت رمزية مدمّرة: إن تدمير الأبراج السكنية والتجارية لم يكن مجرد استهداف لمبانٍ، بل لرمز المدينة وحياتها فكل برج كان يحتضن عائلات وذكرياتها وأحلامها ومكاتب وأعمالها، ومع كل انهيار يُفقد الناس جزءاً من حياتهم. فالقصف لم يُدمّر الحجر فحسب، بل ضرب البنية الاجتماعية والاقتصادية للمدينة، وأرسل رسالة رعب مفادها أن لا مأمن في غزة.

ويقال إن صمود القطاع يربك الاحتلال: فرغم سياسة الأرض المحروقة، لم تُكسر غزة وكل يوم إضافي يبرهن أن إرادة الناس لم تُهزم، وأن المقاومة ما زالت موجودة، وهذا ما يربك الاحتلال الذي يبحث عن مخرج سياسي أو تفاوضي لكنه يصطدم بالسؤال الكبير: كيف تُعلن نصرك على شعب ما زال يقاتل؟

لكن الحقيقة الصعبة أن هذا الصمود ليس دائماً اختياراً حرًّا؛ فهو في كثير من الأحيان صمود قسري. السكان محاصرون، الحدود مغلقة، والتنقل للخارج شبه مستحيل، حتى مع الموت والجوع. كثيرون يعيشون معاناة شديدة، ومع ذلك يختارون البقاء لأن الفرار شبه مستحيل. الصمود هنا يصبح مزيجاً من إرادة البقاء ومواجهة الظروف القاهرة، أكثر من كونه خياراً حرا. كل تصريحات الاحتلال عن تراجع العمليات أو تسليم شروط التهدئة تتقاطع مع واقع أكثر دموية على الأرض، ما يثبت أن الحصار والقصف لن ينهي المقاومة، وأن غزة ما زالت قلب القضية الذي ينبض بالإصرار والصمود.

هذه التطورات ربما كشفت الوجه الأخطر للتصعيد. ففي ميناء سيدي بو سعيد بتونس، تعرّض أسطول الصمود، الذي حاول كسر الحصار والتضامن مع غزة، لهجمات مباشرة ومصادرة لقواربه من قبل إسرائيل، ما أرسل رسالة واضحة أن أي دعم رمزي لغزة مرفوض ويعدّ تهديداً لهم. فبعد تونس، جاء الدور على الدوحة، حيث حاولت إسرائيل اغتيال الوفد المفاوض لحركة حماس خلال اجتماعاته حول مقترح ترامب لوقف إطلاق النار، ما دفع قطر لإعلان تعليق دورها كوسيط. وما إن هدأت صدمة العاصمة الخليجية، حتى جاء القصف على صنعاء، ليؤكد أن إسرائيل تتصرف بلا رادع، متجاهلة الوسطاء والسيادة الوطنية للدول. الأمس كان صاخباً: من تونس إلى الدوحة وصنعاء، فيما غزة تنزف منذ 707 يوماً بلا توقف، ما يجعل أي حديث عن وقف النار بعيداً عن الواقع، ومجرد تصريحات لا تعكس استمرار الحرب.

فالإقليم والعالم وربما المنطقة كلها على فوهة بركان: لبنان على حافة انفجار، اليمن يرد برسائله النارية منذ بداية الحرب، وإيران تلوّح بأنها جزء من المعادلة. في المقابل، العالم صامت، بيانات بلا فعل، ووساطات بلا جدوى. وما يحدث يكشف عجز النظام الدولي وفشله في حماية المدنيين، ويفتح الباب أمام إعادة تشكيل التحالفات. ورغم كل هذا الخراب، يظل المشهد العالمي متناقضاً: الغرب الذي صرخ دفاعاً عن أوكرانيا، يصمت أمام أكبر كارثة إنسانية في غزة، وترك شعباً يُباد تحت القصف والحصار. في المقابل، هناك شعوب ونشطاء يرفضون الصمت، ويبحرون في أسطول الصمود العالمي – أسطول الحرية الجديد – في محاولة لكسر الحصار. هؤلاء النشطاء تعرّضوا لهجمات مباشرة، وتهديدات رسمية إسرائيلية باعتقالهم ومصادرة قواربهم، ما يعكس حجم الرعب الذي يثيره مجرد تضامن رمزي مع غزة، ويؤكد أن الاحتلال يخشى قوة الإرادة أكثر من الصواريخ.

وهذا يوضح مدى التوازن بين الرمزية والواقع: فالتهديدات والإجراءات العسكرية تكشف ازدواجية المعايير الدولية، لكنها أيضًا تؤكد نقطة رئيسية: غزة ليست قضية فلسطينية فحسب، بل اختبار لضمير العالم. في موازاة ذلك، تتحرك بعض الدول الأوروبية نحو الاعتراف الرسمي بفلسطين، كما فعلت إسبانيا وأيرلندا وبلجيكا، لتقول إن فلسطين ليست قضية منسية، وأن هناك إرادة دولية – ولو بطيئة – لمحاولة كسر رواية الاحتلال. ومع ذلك، تظل الحقيقة الواضحة أن الحرب مستمرة، وأن التصريحات الرسمية لا تعكس الواقع القاسي الذي يعيشه الناس يومياً.

أم أن التصعيد الأخير من تونس إلى الدوحة وصنعاء نذير بانفجار إقليمي شامل يغيّر قواعد اللعبة؟ وهل يمكن لغزة، رغم كل هذا الخراب، أن تفرض معادلة جديدة تُعيد للقضية الفلسطينية مركزيتها؟

707يوماً مرّت، وما زالت غزة واقفة. وربما هذا وحده أعظم معجزة وأقوى رسالة: الاحتلال يملك السلاح، لكن غزة تملك الزمن والإرادة. والحقيقة الواضحة أن الحرب لم تتوقف، وأن أي حديث عن “وقف النار” أو “التراجع عن التصعيد” يبقى كلاماً بلا أرضية أمام الواقع الدموي المستمر.

شاهد أيضاً

الشرطة الفلسطينية تتمكن خلال أقل من ساعة من استعادة مركبة تجارية تمت سرقتها بالقرب من بيت لحم

شفا – تمكنت شرطة بيت لحم، فجر اليوم الجمعة، وفي أقل من ساعة، من استعادة …