11:13 مساءً / 11 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص مع ” وكالة شفا ” حول “الصوفية ما بين التفكيك والنظرية”

المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها في حوار خاص مع ” وكالة شفا ” حول “الصوفية ما بين التفكيك والنظرية”

شفا – أجرت شبكة فلسطين للأنباء شفا ، حوراً خاصاً مع المفكر الإسلامي محمد نبيل كبها حول “الصوفية ما بين التفكيك والنظرية” .

وهذا نص الحوار :

في البداية ، الكاتبة والناقدة “إم عيسى” – ذكرت في كتابك “محمد أربعون”: “أيتها الطائفة أيتها الفرقة أيها الحزب، باسمكم آمن من آمن، وكفر من كفر، ظننتموني مدغولا ومدخولا، وافترضتم أن هناك يدا أخرى تحركني، ورميتومني بأفظع الادعاءات، كما رجمتموني وألصقتم بي التهم، سأبقى غريباً بينكم لنطقي بالحقيقة، ولأني حر ولا أنتمي لأحد، فهي لم تجعل لي صديقاً، وسيلازمني دفع الثمن”.

وصرّحت عبر حسابك في الفيسبوك قائلا: “أنا صوفي معرفي على طريقتي”، عهدناك أستاذنا وكاتبنا ومفكرنا المبدع أنك حراً.


ج1: العالم جميل جداً يا أستاذة، وهذا الجمال متروك لك أيها الإنسان لإلتقاطه، فقط المطلوب منك هو أن تنظر، وأن تطلق البصيرة.

وأنا كنت وما زلت أحاول أن أبحر في بعضٍ من هذا الجمال، في عمق نظرة الإنسان إلى هويّتهِ وما وراء الجسد، فالإنسان هو نسيج من جسد وروح.

الجسد يلتصق بالعالم الفيزيائي والحسّي والمادي، بينما الرّوح تلتصق بالعالم الماورائي والغيبي، وتتطلّع دائما إلى المجهول، وإلى ما وراء الوراء وما خلف السماء، وتشتاق للعودة إلى منزلها الحقيقي والأبدي والأوّل عند الله تبارك وتعالى.

هناك جزء كبير فينا يشعر أنه غريب عن هذا العالم المادي وعن هذا الوجود! وهذا البعضُ هو سبب حزن الإنسان مهما بلغ من الماديّات والشهوات والأشياء، مهما نال منها إلّا أنّ هناك حزن يعتصره في الأعماق، وهذا الحزن مصدره أرواحنا التي تحن إلى الله وإلى لقياه، لذلك لا يستشيج العمق فينا إلا بذكر الله الذي يطلبه الجزء الغير مادّي فينا ألا وهي الروح.

إن الإنسان مُركّب من جسد وروح، والإنسان دائما يعزف على أوتار الجسد، وأنا أردت أن أوجّه العزف على أوتار الرّوح. لذلك انتهيت الى الصوفية، فهي التيار الوحيد الذي يعزف على أوتار الروح.

وهناك مفهوم مغلوط حول تعريف الصوفية، إن الصوفية حقيقة هي تيار روحي في الإسلام، يركز على التزكية والأخلاق بهدف الوصول إلى الله من خلال التجربة الشخصية، وليس فقط الالتزام الظاهري للشعائر الدينية.

وعندما صرحت بقولي: “أنا صوفي على طريقتي” لأن الصوفية ليست مذهب، ولا طائفة، ولا فرقة، ولا مجموعة، وإنما أنا أعتقد في مفهومها وتعريفها على أنها حال، هي حال، وتصوّفي هو حالي مع الله سبحانه، وليس حال غيري معه، وطريقتي هي طريقتي أنا، وليست طريقة النقشبندي، أو الجيلاني، أو القادري، بل طريقتي وتجربتي أنا الشخصية، ولكي أوضح للمستمعين أن طريقتي في الصوفية هي ما جاء به القرآن أولا، ثم السنة الفعلية والمتواتر من السنة القولية وما صح منها بعد التنقيح ثانيا، ثم ما انتخبه عقلي من العلوم والفلسفة ثالثاً، لذلك قلت عن نفسي أنني (صوفي معرفي على طريقتي) لأنني أعتقد أن “العلم دون دين أعرج، والدين دون علم أعمى”، كما قال عالم الفيزياء والنسبية الشهير “آلبرت آينشتاين”. لا أؤمن بدروشة الصوفيين ولا بطريقتهم في التصوف، لذلك قلت أنا (صوفي معرفي على طريقتي). فإن كان “آلبرت آينشتاين” عبر عن رؤيته في العلاقة التكافلية بين العلم والدين، فأنا أعبر بطريقتي في التصوف عن العلاقة التكافلية بين ثلاثية “العلم والإيمان والروح”، لأن الروح جزء مفارق فينا، ولا ينتمي لعالم المادة والطبيعة.

الصوفية طُرق، وتتفرع الى 36 طريقة، منها طريقة ” المريدية” نسبة لمؤسسها الشيخ أحمد بمبَ امباكي، والملقب ب “خادم الرسول”، وهو سنغالي الأصل، و إحدى الشخصيات البارزة في الإسلام الصوفي بمنطقة غرب أفريقيا ، وانتشرت طريقته في السنغال موريتانيا وغامبيا، ومالي وساحل العاج، والمغرب وتونس.

الطريقة “الكركرية” نسبة الى مؤسسها الشيخ محمد فوزي الكركري، وهو مغربي الأصل، وانتشرت طريقته في المغرب ومصر والجزائر والسنغال وتونس ولبنان.

والطريقة “القادرية” نسبةً إلى عبد القادر الجيلاني، و”الشاذلية” نسبةً إلى أبي الحسن الشاذلي، و”النقشبندية” نسبة للشيخ محمد بهاء الدين نقشبند، وتنتشر في آسيا الوسطى وسوريا، وهناك الطريقة “الرفاعية” تشتهر في الأرياف والبُوادي وتتميز ببعض الخرافات الظاهرة كضرب النار واللعب بالحيوانات، و”الخلوتية” وتنتشر في مصر وتركيا والأردن، وهناك الطريقة السعدية، والرفاعية، والأحمدية، والخليلية، والأكبرية، وغيرها، ولكني لا أتبع أي طريقة فيهم، فأنا أنا ليس لي شيخ صوفي ولا غيره من المشايخ، أنا صوفي معرفي على طريقتي الخاصّة كما ذكرت ووضحت سابقا.

وأريد أن أوضح أن مفهوم الصوفية تم تشويهه على يد بعض الفرق الصوفية أنفسها، بالاضافة الى أنه قد تم تشويهه على يد الطوائف والفرق الأخرى.

هناك شطحات عند الصوفيّة وصلت حد الكفر!!

هناك ضلالات كبيرة تتمثل في حركات ومظاهر وأعمال بعض الفرق الصوفية كالرقص، والكذب، والمصلحة، والشهوات، وتحريف الدين، واعتقاد العصمة لبعض مشايخهم، ومنهم وصل الى الشرك في تفضيله الولي على النبي، ومنهم من تغالى فجعل الولي مساوٍ لله في كل الصفات، ومنهم من يعتقد أن الرسول محمد -صلى الله عليه وسلم- هو قبة الكون، كما ظن “ابن عربي” ومن تبعه، ومنهم من يزعم أن الرسول -صلى الله عليه وسلم- لا يصل إلى مرتبتهم وحالهم، وأنه كان جاهلًا بعلوم رجال التصوف، كما نُقل عن البسطامي “خضنا بحرًا وقف الأنبياء بساحله”، والأخطر من ذلك وهم الذين يؤمنون بعقيدة الحلول والاتحاد، وهو مبدأ الواحدية “Monism ” المونوميّة، وفحواها أن الخالق عين المخلوق، والمخلوق عين الخالق، وأن الله متحد بالكون وبمخلوقاته.

وهؤلاء من وجهة نظري متصوّفة وليسوا صوفيّون، الصوفيون حقيقة لا علاقة لهم بهذه الطقوس وهذه الافكار الشاذة التي ذكرتها.

المشايخ الصوفية هم بشر لهم ما لهم وعليهم ما عليها، لكن الصوفيين هم سنّة في الحقيقة إن أردت التسمية الحقيقيّة لهم! وأتمنى من الطوائف والمذاهب والحركات والفرق عدم تسميت الاشياء بغير اسمائها، والتلاعب بالعقول، والسخرية بالكلمات، وزرع الفتنه بين المسلمين، واذا أراد العموم البحث والنبش في جذورهم، اسألوا الإمام “الجنيد، والحسن البصري، وابن سيرين، وداود الطاءي، ومعروف الكرخي، وعبد السلام ابن مشيش، وأبو الحسن الشاذلي عن الصوفية”، هؤلاء هم اللب سلوهم عن التصوف؟! ستحظون بالإجابة من طنايا سيرتهم العبقة وأخلاقهم الرفيعة وعلومهم الغزيرة، التصوف يا أستاذة علم يفوق ما يعرفه العامة! الشيخ الرباني من الصوفيين الحق عندما يتكلم فإنه يأخذ قلبك ويسافر به الى الله، وتشعر بالبون الواسع بينه وبين ما نسمعه على المنابر، ونصيحتي لكل مسلم أن لا يقحم نفسه في سب أهل التصوف الحقيقيين لا المزيفين -وما أكثر المقنعين والمزيفين منهم- وهنا هو الاشكال الكبير والسؤال: “كيف نفرق بين الربانيين والمبدعين منهم؟”، هذا الموضوع يطول شرحه، لأني عندما أقرأ الناس يتضح لي أن فهم التصوف لديهم منعدم تماما!!


الرسول -صلى الله عليه وسلم- هو سيد المتصوفين، وان لم يكن مصطلح التصوف في وقته قد صكً، والصحابة من بعده كانوا متصوفين أيضاً، وان لم يستعموا كلمة التصوف.

الصُّوفِيَّة أو التَّصَوُّف يتم التعريف عنه على أنه مذهب إسلامي، لكن وفق وجهة نظري الصوفية كما ذكرت انفا أنها ليست مذهبًا، ولا طائفة، وإنما هي حالة، وهي أحد مراتب الدين الثلاثة “الإسلام، والإيمان، والإحسان”، والصوفيّة اهتمت بتحقيق المرتبة الثالثة، ألا وهو مقام “الإحسان”، ويكون ذلك بتربية النفس ومراقبة السلوك وتطهير القلب، كما اهتم “الفقه” بتعاليم شريعة الإسلام، وعلم “العقيدة” بالإيمان، فإن الصوفية اهتمت بأن تحرق حب الدنيا وكل مغرياتها أمام حب الله.

الحلاج شخصية جدلية بالنسبة للمشايخ والعلماء في زمانه وفي زماننا، فعلى الرغم من اتفاق علماء بغداد والفقهاء على كفره، وحكم عليه بالزندقة والإعدام، ومنهم “ابن كثير” الا ان العلماء والصوفية منهم انقسموا في زمنه ومن بعده؛ فمنهم من آمن به، ومنهم من نفاه واعتقد خروجه عن الملة، وحُوكم بتهمة الكفر والزندقة، وأُعدم، ثم صلب، ثم مُثّل بجثته، ثم أُحرقت، وأُلقي ما بقي منه في نهر الفرات.

وكان السبب الرئيسي في قتله هو ادعاء الألوهية كما قالوا عنه، حيث كان يؤمن بعقيدة الحلول والاتحاد مع الذات الإلهية، والتي ذكرتها انفا، وهي المونوميّة “Monism “.

من المشايخ والعلماء والفقاء القدماء من كفر الحلاج، كالقاضي “المالكي أبو عمر”، وشيخ الإسلام “ابن تيمية” وغيره.

ومن المشايخ السنة المعاصرين والذين لا يفهمون الا لغة التكفير والزندقة كالشيخ “مصطفي العدوي” الذي كفر الحلاج، والشيخ “سالم الطويل” والذي زندق الحلاج ، والشيخ “صالح الفوزان” الذي قال عن الحلاج أنه ملحد، وقتل على الإلحاد، و الدكتور “نايف العجمي” أنه كان صاحب حيل وخداع وتعامل بالسحر لكي يوجه الناس الى الله به، وقال عنه انه ادعى النبوة ثم الألوهية وأمر الناس أن يسجدوا له، والدكتور ” إياد قنيبي” الذي ركز على ان الحلاج كان يؤمن بعقيدة الحلول والاتحاد، وأنه كان يسمي اصحابه باسماء الانبياء، ويقول لهم أن ارواح الانبياء قد حلت في اصحابه، واشار الى التطبيع من زندقة الحلاج وأقواله الكفرية.


وكالشيخ “عثمان الخميس” والذي كذب على لسان الحلاج عندما قال في أحد محاضراته أن الحلاج ادعى الألوهيية؟! وقال “أنه الله”، وقال عنه أنه كافر وزنديق ومرتد يجب قتله!! وهذا غير صحيح أبدا، فقد كذب هو والدكتور اياد القنيبي وغيرهم من مشايخ السنة على الحلاج في قبره، فالحلاج لم يقل “أنا الله”، بل قال “أنا الحق”.

ولكن لو انتبهنا لما قاله الإمام والفقيه الصوفي “عبدالقادر الجيلاني” والذي كان يفتي على المذهبين “الحنبلي، والشافعي”، حيث قال: “لو أدركت عصر الحلاج، لأنقذته بقشّة!”، وقوله دلالة على أن الناس لم يفهموا الحلاج، وغاب عن ادراكهم ما كان يقصد به.


والإمام والفقيه الصوفي “أبو حسن الشاذلي”، كتب يقول: “أكره من قال بتكفير الحلاج، ومن فهم قصد مقاصده فقد فهم مقصدي”.

والعلم الذي يطلقه الحلاج هو علم الإشاره، ومن لم يفهم لغة الإشارة فلن يفهم مقصد الحلاج، وهناك الان “التفسير الإشاري”، أو “التفسير بالإشارة”، ويسمى أيضا “التفسير الصوفي”، أو “التفسير الفيضي”، وهو نوع من تفسير القرآن الكريم ينتمي إلى نمط مُعَيَّن من الفهم، فمن لم يفهم علم الاشارة لم يفهم المقصد، تماما كعلم “السيميولوجيا”، أو علم “العلامات”.

لذلك علم “الصوفي” كالحلاج وغيره يكون بالرمز أو الإشارة، لا يفهمه ولا يعقله الا المتخصصين بعلم الرموز والإشارة، واذا كنت غير متخصص في علم الرموز والاشارة ستفهم المعنى بشكل خاطئ، وستلقي بالتهم على هذا الصوفي على انه زنديق ومرتد وكافر.

الحلاج عندما قال مترنما في حب الله:


وَاللَه ما طَلَعَت شَمسٌ وَلا غَرُبَت.. إلا وَحُبُّكَ مَقرونٌ بِأَنفاسي
وَلا جَلستُ إِلى قَومٍ أُحَدِّثُهُم.. إِلّا وَأَنتَ حَديثي بَينَ جُلّاسي
وَلا ذَكَرتُكَ مَحزوناً وَلا فَرِحاً.. إِلّا وَأَنت بِقَلبي بَينَ وِسواسي
وَلا هَمَمتُ بِشُربِ الماءِ مِن عَطَشٍ. إِلّا رَأَيتُ خَيالاً مِنكَ في الكَأسِ
هو لا يقصد حرفيا أنه رأى خيال الله سبحانه في الماء، وإنما هذا من سبيل حبه وعشقه وولعه بالله سبحانه أنه يراه في كل مكان وفي كل شيء.


ومن ترانيمه:


قد كانَت لِقَلبي أَهواءٌ مُفَرَّقَةٌ.. فَاِستَجمَعَت مُذ رَأَتكَ العَينُ أَهوائي
فَصارَ يَحسُدُني مَن كُنتُ أَحسُدُهُ.. وَصِرتُ مَولى الوَرى مُذ صِرتُ مَولائي
تَرَكتُ لِلناسِ دُنياهُم وَدينَهُم.. شُغلاً بِحِبِّكَ يا ديني وَدُنيائي
ما لامَني فيكَ أَحبابي وَأَعدائي.. إِلّا لِغَفلَتِهِم عِن عُظمِ بَلوائي
أَشعَلتَ في كَبِدي نارَينِ واحِدَةً.. بِينَ الضُلوعِ وَأُخرى بَينَ أَحشائي

ومن ألحانه:


وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ .. وَبَيني وَبَينَ العالَمينَ خَرابُ
إِذا نِلتُ مِنكَ الوُدَّ فَالكُلُّ هَيِّنٌ.. وَكُلُّ الَّذي فَوقَ التُرابِ تُرابِ


عشقة وصل لحد أنه حينما يذكر لفظ الجلالة “الله” ينتفض بدنه ويروّعه، وقد قال الله تعالى: ” إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ”


أعود.. لماذا قال الإمام والفقيه الصوفي “عبدالقادر الجيلاني” عن الحلاج: “لو أدركت عصر الحلاج، لأنقذته بقشّة!”، لأنه كان في حالة من الحب الإلهي أنسته العالم وما فيه، بل وأنسته نفسه، وهنا المعضلة الحلاجية التي لم يفقهها ويفهمها من حوله من العلماء والعموم فكفروه وزندقوه وقتلوه، حيث ظنوا أنه آمن بالاتحاد والحلول لأنه أنكر نفسه وأنكر من حوله ، وقد فعل ذلك الحلاج فعلا، ولكن كان السبب هو امتلاء وارتواء قلبه الذي لم يرتوى بحبه لله سبحانه والذي أنساه كل شيء حتى أنساه ذاته ونفسه.

فعندما قال الحلاج: “ما بالجبّة الا الله”، هو لم يقصد أنه الله، أو أنه ادعى الألوهية، وكيف يكون ذلك وفي أشعاره وترانيمه وألحانه يقر بالله وبوجوده سبحانه! ولكنه كان يقصد أنه غير قائم بذاته، وإنما قائم بالله تعالى، وهنا يبرز علم الإشارة والرموز.

لذلك اختلط على الناس قوله “ما بالجبّة الا الله” ان الله قد حلّ به، بينما كان الحلاج يقصد أنه قائم به.
لذلك تعابير الحلاج خانته، حيث لم يفهم كل من حوله في عصره أنه كان يؤشر حول قضية مهمة، وهي فناء الإنسان رغم وجود إزاء أزلية الله سبحانه وسرمديته.

بمعنى أن وجوده هو من مدد الله، ولو قطع الله مدده لانتهى، وهذا معنى صحيح عند علماء وأهل السنة والجماعة.

وللعلم أن الاوروبيون مكتبتهم غزيرة بكتب ومجلدات باللغة الفرنسية عن أعلام الصوفيين أمثال “ابن العربي، والحلاج، والغزالي”، وهناك ثلة من العلماء في صربيا تخصصوا في دراسة عقل صوفي واحد من هؤلاء العمالقة، بل واعتبروه من أعظم الفلاسفة.

ولك أن تتخيل أن مجموعة من العلماء الأوربيون والصرب يتجمعون لدراسة عقل مسلم صوفي واحد، كالحلاج مثلا، ويعتبرونه من أعظم الفلاسفة عبر التاريخ، ويقولون عنه بالحرف: “لا نعتقد أنه يوجد أكثر من شخصين في العالم يفهمون عقل هذا الفيلسوف الصوفي المسلم”.

بالنسبة لي فإن الحقيقة لا تخالف الشريعة، والشريعة دون حقيقة عاطلة، والحقيقة بلا شريعة باطلة، ومن تصوّف ولم يتفقّه فقد تزندق، ومن تفقه ولم يتصوّف فقد تفسّق، ومن جمع بينهما فقد تحقّق.

والصواب هو أن توافق أقوال واحوال واعمال العبد شريعة الله.

كما ذكرت سابقا، أنا ليس لدي شيخ، ولكني متأثر بحجة الإسلام “أبو حامد الغزالي”، وبالعلامة السوري “محمد سعيد البوطي”، المشهور بالبوطي.

البوطي -رحمه الله- قال بالحرف عن الصوفية: ” التصوف ليس بعلم، ولكن حال يصطبغ بها القلب فيفيض بحب الله فيحرق حب الدنيا”.

كان التصوف في صدر الاسلام مسمى لا اسم له، ثم اصبح اليوم اسما لا مسمى له، وما اكثر الفرق الصوفية التي انحرفت، ودخلت في البدع، واليوم لا يفهم المتصوفين من التصوف إلا رائحته!! الصحابة كانوا متصوفين، ولكنهم منضبطون بكتاب الله والسنة، وكانوا يحيدون عن البدع، وسأقولها لك بالخط العريض: “باختصار.. عندما غُيّب التصوّف عن المسلمين، ساءت الحال وتدنت الأخلاق، والله المستعان”.

ابحثوا عن الصوفية عند “أبو الجنيد البغدادي” والذي كان صوفياً، بل ويُعتبر الجنيد البغدادي من أبرز وأشهر الصوفيين في التاريخ الإسلامي، ويُلقب بـ “سلطان العارفين” و “شيخ العارفين، وكان عالماً وفقيهاً ومتصوفاً، وله مكانة كبيرة في علم التصوف، حيث يُنسب إليه تطوير العديد من المفاهيم الصوفية، وكان ملتزماً بالكتاب والسنة، وحاله كما حال “عبد القادر الجيلاني” الذي كان صوفياً هو الآخر، و هو مؤسس الطريقة القادرية الصوفية، وهي واحدة من الطرق الصوفية السنية البارزة، وكان ملتزما بالكتاب والسنة أيضا.

الصوفية باختصار بالنسبة لي، هي حال المؤمن مع الله، الصوفية ليست مذهبا، ولا طائفة، ولا فرقة، كما أن التصوف ليس علما وإنما حال، هي حال القلب مع الله.

وطريقتي في الصوفية تعتمد على ثلاثة ركائز ( القران الكريم، السنة النبوية الشريفة، الحكمة والعلم والفلسفة)

الصوفية في القران الكريم هي في ثلاثة ايات من كتاب الله:

الاولى تؤشر على تزكية النفس وتطهيرها من الشرور، قال تعالى: “قد أفلح من زكاها”.

الثانية تؤشر على سلامة القلب من حب الدنيا ومن مغرياتها وذنوبها، قال تعالى: “إلا من أتى الله بقلب سليم”.

الثالثة تؤشر على الاجتهاد في طلب العلم والإرشاد من رسول الله ص، قال تعالى: اما من جائك يسعى”.

أما الصوفية في السنة النبوية الشريفة، هي كما قال الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام في مرتبة الاحسان: “أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك”

وأما الصوفية في العلم والحكمة والفلسفة، أن تكونا ملماً بأصناف العلوم ومحباً للحكمة وراغباً في الفلسفة، وما أكثر الاشارات القرانية التي حثت على التعقل والتفكر وطلب الحكمة (أفلا يعقلون، أفلا تبصرون، أفلا تتفكرن، أفلا ينظرون) وفي السنة النبوية أيضا، قال تعالى: “هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولًا مِّنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمْ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنَّهُمْ لَفِي ضَلَالٍ مُبِينٍ”.

شاهد أيضاً

اسعار الذهب اليوم

اسعار الذهب اليوم

شفا – جاءت اسعار الذهب اليوم الخميس 11 سبتمبر كالتالي : سعر أونصة الذهب عالمياً …