4:17 مساءً / 10 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

تيانجين .. حين يكتب الشرق موازين العالم ، بقلم : محمد علوش

تيانجين.. حين يكتب الشرق موازين العالم ، بقلم : محمد علوش

في مدينة تيانجين الصينية اجتمع ممثلون عن نصف العالم تقريباً، حيث تقدّم قادة أوراسيا إلى منصة واحدة معلنين أن مركز الثقل الدولي لم يعد غربياً كما كان، بل إن جزءاً حاسماً من مستقبل البشرية يصاغ اليوم في الشرق، وقمة شنغهاي لم تكن كسابقاتها؛ فما أن اختتمت حتى أتبعتها الصين بعرض عسكري غير مسبوق قدّمت فيه نفسها مظلّة أمنية لمخرجات القمة، وكشفت عن قدرات عسكرية متطورة جرى تمويلها بميزانية لا تتجاوز ربع الميزانية الأمريكية، لكنها بدت كافية لإظهار الجيش الأمريكي وكأنه ينتمي إلى عصر آخر، وزاد من قوة المشهد وقوف الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والرئيس الكوري الشمالي كيم جونغ أون إلى جانب الرئيس الصيني شي جين بينغ، في لحظة نادرة أشبه بإعلان غير رسمي لتحالف ثلاثي يرسم ملامح ميزان جديد للقوة في العالم.


هذه القمة لم تكن اجتماعاً عابراً، بل محطة نوعية في مسار تحوّل تاريخي طالما استشرفناه، فمنذ عام 2006 قلنا إن ميزان القوى الدولي بدأ يتغيّر لغير صالح الولايات المتحدة رغم امتلاكها آلة عسكرية جبارة، وأشرنا آنذاك إلى أن اقتراب الخطر الأمريكي من حدود روسيا والصين سيدفعهما لمواقف أكثر جذرية في مواجهة الأطماع الإمبريالية، واليوم نرى هذه الرؤية تتحقق أمام أعيننا، ليس أقلها ما يحدث في أوكرانيا من اهتزاز للمشروع الغربي برمّته، وهو ما يفسر التوقيت السياسي لقمة شنغهاي باعتبارها إعلاناً صريحاً بأن لحظة التوازن الجديد قد حانت.


أما واشنطن، فلم تجد سوى الاستخفاف بالمشهد، فوزير خزانتها وصف ما جرى بأنه مجرد “استعراض احتفالي”، لكن الإعلام الغربي نفسه لم يستطع إنكار الحقيقة، فمجلة The Week البريطانية عنونت غلافها بالقول: “شي يتحدى الغرب بنظام عالمي جديد”، والولايات المتحدة التي هيمنت لعقود، تجد نفسها اليوم أسيرة أزماتها الداخلية وسلوكها العدائي تجاه الجميع، بينما في الشرق يتشكل نسيج من التفاهمات العميقة، ويكفي أن رئيس وزراء الهند وقف إلى جانب القادة الثلاثة متحدياً التحذيرات الأمريكية، في خطوة تعكس تبلور إرادة سياسية لم تعد تراعي حسابات الغرب.


لقد خرجت قمة شنغهاي بجملة من القرارات ذات دلالات استراتيجية عميقة: تأسيس بنك جديد للتنمية والتعاون المالي بين دول المنظمة، وتأكيد إنهاء هيمنة الدولار والانتقال إلى العملات المحلية والعملة الصينية الإلكترونية، وإقرار خطة عمل موحدة للسنوات العشر المقبلة، وتجديد الالتزام بروح شنغهاي التي تجعل من التعاون أساساً لبناء عالم جديد بعيد عن البلطجة الأمريكية، وهذه ليست مجرد بيانات، بل خطوات عملية لإعادة صياغة النظام العالمي بما يجعل الشرق مركز التفاعل الدولي.


وبوصفي فلسطينياً، أقرأ هذه التحولات بعمق خاص، فقضيتنا الفلسطينية التي عانت لعقود من انحياز الغرب للعدوان الاسرائيلي تجد نفسها اليوم أمام لحظة فارقة قد تفتح أبواباً جديدة للدعم والتضامن والانتصار لحقنا في المحافل الدولية، فالصين أعلنت أكثر من مرة دعمها الثابت لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وأكدت وقوفها إلى جانب نضال شعبنا العادل، أما روسيا فاعتبرت أن محاولات تصفية القضية الفلسطينية غير شرعية ولا يمكن أن تمرّر، ومع تراجع الهيمنة الأمريكية، يزداد وزن هذا الموقف الشرقي ويمنحنا كفلسطينيين حليفاً استراتيجياً في معركتنا التاريخية من أجل تحقيق الحرية والاستقلال.


إن ما جرى في تيانجين لم يكن حدثاً عابراً، بل إعلاناً صريحاً بأن زمن الغرب الأوحد قد انتهى، وأن مركز العالم يتحول شرقاً، وبالنسبة لنا كفلسطينيين، فإن هذا التحوّل يعزز يقيننا بأن معركتنا ليست معزولة، بل هي جزء من حركة عالمية واسعة تتطلع إلى نظام أكثر عدلاً وتوازناً، ومن هنا، فإن الانتماء إلى الشرق الجديد ليس خياراً سياسياً فحسب، بل هو امتداد طبيعي لمعركة الشعب الفلسطيني ضد الاحتلال والهيمنة، ومعركة الشعوب جميعاً من أجل مستقبل أفضل.

شاهد أيضاً

الدفاع الصينية : الصين دائماً قوة تدعم السلام والاستقرار والتقدم في العالم

شفا – قال جيانغ بين، المتحدث باسم وزارة الدفاع الوطني الصينية، اليوم الأربعاء، إن الصين …