شبكة فلسطين للأنباء – شفا الشبكة الفلسطينية الاخبارية | وكالة شفا | شبكة فلسطين للأنباء شفا | شبكة أنباء فلسطينية مستقلة | من قلب الحدث ننقل لكم الحدث .
” رواية تنهيدة حريّة والانعتاق الاجتماعي للدكتورة رولا خالد غانم ” ، بقلم : الأستاذة سناء غزّة
عنوان الرّواية “تنهيدة حريّة” عنوان جميل وموفّق يتلاءم مع أحداث الرّواية ومصير الأبطال، فالبطلة بتول تنفّست الصعداء وتحرّرت بعد أن واجهت الكثير من المشاكل والعقبات في حياتها، وكذلك شقيقتها غادة التي هاجرت لبلد يقدّرها وانعتقت من الظلم الذي وقع عليها، والبطل حمزة أيضا تحرّر من سجون الاحتلال الإسرائيلي، وخرج بصفقة “وفاء الأحرار” بعد أن حكِم عليه بالمؤبدات، وهناك الوالدة سلمى التي تمرّدت واختفت في البداية؛ لتظهر سعيدة في النّهاية بعد أن شقّت طريق حياة جديدة مع زوج يحترمها ويحبّها.
الرّواية فيها من التّشويق والإثارة ما يحبس الأنفاس، وما يجعل القارئ يتمنى لو أنّها أطول ممّا هي عليه. لقد أحسست وأنا أقرأ بها بأنّ الخديعة والحزن يتسللان إلى أعماقي، وكذلك محطات الفرح والنشوة..الرّواية استوفت جميع الشّروط والعناصر في جميع فصولها، وأقفِلت بطريقة مقنِعة ومرضية تسرّ القارئ، فلم تترك غانم فجوة إلّا وأغلقتها.
حملت الرواية بعدين، الأوّل اجتماعي: تجلّى في وضع المرأة الشّرقيّة ومعاناتها مع الزوج في مجتمعنا الذّكوري، والحماة المتسلّطة والمجتمع، هناك عدّة نماذج في الرواية منها الإيجابي ومنها السلبي، مثل: الأب سامي”الاتكالي والمزواج اللامسؤول” وامرأة الأب مريم”اللئيمة”، والجدّة آمنة”المتسلطة” والجدّة نادية “الفضوليّة المتذمّرة” وأمّ هشام “الظالمة” ويوسف”الزّوج اللعوب” الذي أراد الزّواج من غادة الفتاة الجميلة الصغيرة بعد أن أجبر على الزّواج من زوجته الأولى؛ لاعتبارات مادية، فكان ضحيّة اختيار خاطئ فُرِض عليهز كثرة الشخوص في الرواية وتشابكها يدخل القارئ في متاهة وتجعله يعود للصفحات الأولى لتتبع خارطة الأسماء، وصلة قرابتها ببعضها البعض..أمّا البعد الثاني فهو وطني تمثّل في حمزة وعمليّته الفدائية وهو شخصية رئيسة في الرواية.
حمزة نموذج واقعي يمثّل شباب المقاومة، وقد انخرط في صفوف المقاومة بعد فشله بالارتباط من حبيبته الأولى، حمزة فقد الشغف وأخذ يحلم بالشهادة، باحثا عن حياة جديدة أكثر عدلا، ولقد رأينا جزءا من مقاومة المخيمات العبثية على الأرض، والتي لجأ إليها بعض الشّباب كنوع من الخلاص بسبب عيشة القهر والحرمان وانعدام الأفق.
الجو الأسري الدافئ في الرواية يشدّ القارئ، ويشعره بالطمأنينة والدفء ويعود به إلى الوراء، وأنا أتابع سير حياة خليل وزوجته وفاء، غمرني هذا الشّعور، وكذلك الأمر وأنا أرى البساطة في حارة غادة وجدّتها.
شعرت بأن هناك مبالغة في احتضان أسرة لطفلة غريبة، وأظنّ أننا نفتقر إلى هذا النوع من النسيج الاجتماعي؛ لأتفاجأ بأن موضوع احتضان الأسرة كان حقيقيا، وحصل على أرض الواقع، كما أبلغتني غانم بعد تواصلي معها.
حمزة يصطدم بجدار العادات والتقاليد حين يقرّر الارتباط ببتول المطلّقة التي تجرّ خلفها أربع بنات، ولم يمر موضوع ارتباطه بها بسلاسة بل بعد معاناة وإقناع وغسيل دماغ لأسرته.
بعض الفصول في الرواية مؤثر جدا ويحاكي همومنا وذكرياتنا وقصصنا الماضية التي أصبحت نسيا منسيا، والتي استطاعت غانم إحياءها بنبش الذاكرة، وتشريع الأبواب على الماضي واصطحابنا معها في رحلة تكتظّ بعنصر التشويق، لدرجة تجعل القارئ لا يفلت الرواية، ويعيد قراءتها.
لغة الرواية سهلة وواضحة، تخلو من الفزلكة اللغوية وفي متناول الجميع مع المحافظة على أسلوب السهل الممتنع؛ مما يمنحها القوة والتميز وهذا يحسَب للكاتبة.
لفتني تطور ونضوج ونموّ شخصيات الرواية، على سبيل المثال استطاعت بتول بعد انفصالها واضطهادها أن تقف على رجليها، وتبدأ من جديد وتتألق وتنجح وتفتتح مشروعا موفقا رغم الحياة المربكة التي عاشتها في السابق، وكذلك غادة التي استبدلت البيئة التي ظلمتها ببيئة صحيّة أخرى جديدة، تحمل ثقافة مغايرة، وأسلوب حياة لم تعهده، واستطاعت أن تثبت نفسها وأن تتعلم لغات، وأن تنسج علاقات ناجحة، وتفتتح مشروعا مميزا.
المكان في الرواية، وهو أحد العناصر الفنية الأساسية التي تشكّل فضاء الرواية، جاء متعددا وخدم البعد الزماني، وخلق أجواء لافتة تخدم موضوع الرواية..غزّة، طولكرم، نابلس، عمّان..مدن لها مكانتها في قلوب الفلسطينيين وتستأثر على مشاعرهم.
للأمانة رواية “تنهيدة حرية” للكاتبة الكرمية الفلسطينية رولا خالد غانم، رواية تأسر القلوب وتجذب العقول بما تحمله من قيم وحكم ومواعظ ودروس يتعطش إليها المتلقي، رواية مميزة تعجّ بالأحداث والحياة، وتعد إضافة للمكتبة العربية..
