9:38 مساءً / 7 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

مصطفى البرغوثي في إندونيسيا ، التاريخ يضيء الحاضر ويكشف جوهر الصراع ، بقلم : المهندس غسان جابر

مصطفى البرغوثي في إندونيسيا ، التاريخ يضيء الحاضر ويكشف جوهر الصراع ، بقلم : المهندس غسان جابر

مصطفى البرغوثي في إندونيسيا: التاريخ يضيء الحاضر ويكشف جوهر الصراع ، بقلم : المهندس غسان جابر

منذ عام 1948، لم يخرج الشعب الفلسطيني من دائرة الاستهداف والاقتلاع. تغيّرت الوجوه، تبدّلت الأدوات، وتبدّل السياق الدولي مرات عديدة، لكن الهدف ظل ثابتاً: إبعاد الفلسطيني عن أرضه، وتجريده من وطنه. واليوم، وفي ظل العدوان الوحشي على قطاع غزة، يتكرّر المشهد ذاته بأدوات جديدة، إذ يجري الترويج لمشروع تهجير جماعي تحت عنوان “النقل الإنساني”، إلى دول بعيدة مثل إندونيسيا وليبيا وجنوب السودان وأرض الصومال.

في هذه اللحظة الدقيقة، حمل الدكتور مصطفى البرغوثي، الأمين العام لحركة المبادرة الوطنية الفلسطينية، قضيته إلى جاكرتا، ليس فقط لعرض معاناة غزة، بل لوضع العالم – عبر البوابة الإندونيسية – أمام الحقيقة: أن ما يُحاك اليوم هو أخطر محاولة منذ النكبة الأولى لاقتلاع الفلسطيني من وطنه.

ثلاث جرائم كبرى.. ومقدمة لاقتلاع جديد

البرغوثي لم يتحدث بلغة الدبلوماسية المواربة، بل بلغة واضحة تُسمّي الأشياء بأسمائها: ما يجري في غزة هو إبادة جماعية، وتطهير عرقي، وعقاب جماعي بالتجويع. لكنه شدّد على أن كل ذلك ليس سوى مقدمة لمخطط أكبر، يراد به تحويل الفلسطينيين إلى لاجئين جدد، ومنع عودتهم إلى أرضهم، عبر الترويج لنقلهم “مؤقتاً” إلى دول بعيدة.

لماذا إندونيسيا بالذات؟

قد يبدو للبعض أن اختيار إندونيسيا ضمن الدول المرشحة لاستقبال الفلسطينيين صدفة. لكنه في الواقع جزء من محاولة استغلال “الرغبة الإنسانية” للشعب الإندونيسي، الذي ظل منذ استقلال بلاده داعماً ثابتاً لفلسطين.

ولعل العودة إلى التاريخ تساعد على فهم الصورة. فمنذ عهد الرئيس أحمد سوكارنو، كانت فلسطين حاضرة في السياسة الإندونيسية. لم يكن سوكارنو يعتبر الاعتراف بفلسطين مجاملة سياسية، بل كان يراه جزءاً من معركة التحرر الوطني التي خاضتها بلاده ضد الاستعمار الهولندي. ولهذا، حين وقف الإندونيسي ليحتفل باستقلاله، كان الفلسطيني شريكاً في تلك اللحظة، معترفاً بالدولة الجديدة، ومؤكداً أن المعركة ضد الاستعمار هي معركة مشتركة.

صدى الماضي في الحاضر

من هنا، لم تكن زيارة البرغوثي إلى جاكرتا مجرد جولة رسمية. حين استقبله رئيس مجلس الشيوخ الإندونيسي الدكتور أحمد المزاني، ونقل له تحيات الرئيس برابو سوبيانتو، كان ذلك امتداداً لذلك الموقف التاريخي المتجذّر. وعندما أعلن المزاني أن بلاده ستعيد بناء المستشفيين الإندونيسيين اللذين دمّرهما الاحتلال، لم يكن ذلك وعداً مالياً بقدر ما كان موقفاً سياسياً يقول: “نحن هنا، ثابتون في انحيازنا إلى فلسطين”.

كما التقى البرغوثي بنائب وزير الخارجية محمد أنيس متا، حيث جرى الاتفاق على تعزيز المواقف المشتركة في المحافل الدولية، والعمل على وقف العدوان والإبادة في غزة، والتصدي لموجة الاستيطان والإرهاب في الضفة الغربية والقدس.

رسائل البرغوثي إلى جاكرتا

الزيارة حملت أربع رسائل واضحة:

  1. رفض أي شكل من أشكال التهجير القسري، حتى لو تم تغليفه بغلاف إنساني.
  2. التصدي لمحاولات جرّ إندونيسيا إلى التطبيع تحت الضغط الأمريكي والإسرائيلي.
  3. التمسك بسياسة المقاطعة وفرض العقوبات كوسيلة لعزل الاحتلال.
  4. دعم صمود الفلسطينيين في وطنهم، وعدم القبول بأي بدائل منافية للحق التاريخي.

ما وراء الخبر.. ودروس السياسة

الإعلام الإسرائيلي يروّج أن “دولاً كبرى” مستعدة لفتح أبوابها للفلسطينيين. لكن زيارة البرغوثي قلبت الصورة: القضية ليست في البحث عن أرض جديدة، بل في حماية الحق التاريخي في الأرض القائمة.

وهنا تظهر أهمية الموقف الإندونيسي: إنه ليس مجرد تضامن إنساني عابر، بل امتداد لموقف استراتيجي منذ أيام سوكارنو، يربط بين معركة الاستقلال الإندونيسية ومعركة التحرر الفلسطينية.

بين الماضي والمستقبل

زيارة مصطفى البرغوثي إلى إندونيسيا جاءت في لحظة فارقة. إنها لم تقتصر على مواجهة “خطة تهجير جديدة” بل أعادت وصل الحاضر بالماضي، وأكدت أن التضامن ليس شعاراً، بل موقفاً متجذراً في التاريخ.

نقول: في لحظة يتسابق فيها البعض إلى التطبيع، ويبحث آخرون عن “حلول إنسانية” تفضي إلى التهجير، تقف إندونيسيا لتقول كلمتها: فلسطين ليست حقيبة يمكن شحنها إلى جزر بعيدة، بل وطن لا يُستبدل.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

نائب الرئيس حسين الشيخ يبحث مع رئيس الوزراء القطري مجموعة من القضايا المشتركة

نائب الرئيس حسين الشيخ يبحث مع رئيس الوزراء القطري مجموعة من القضايا المشتركة

شفا – التقى نائب رئيس دولة فلسطين السيد حسين الشيخ، بمعالي الشيخ محمد بن عبدالرحمن …