10:35 مساءً / 2 سبتمبر، 2025
آخر الاخبار

حكاية الثعلب والكلب المسعور والحمامة ، بقلم: د. وليد العريض

حكاية الثعلب والكلب المسعور والحمامة ، بقلم : د. وليد العريض


الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (23)


تعقيب على مقالة د. وليد عبد الحي: التأرجح البراغماتي التركي في العلاقة مع إسرائيل

في الغابة تُباع المبادئ بالكيلو، ويُشترى الدم بالقطارة.

في الغابة كان النباح أصدق من الخطب وكان الدم أوضح من الشعارات. ومع ذلك لم يتوقف الثعلب الأشقر عن الوقوف فوق صخرة عالية ليصرخ في وجه الكلب المسعور:

القدس خط أحمر! فصفق الديك الرومي حتى كاد ريشه يتناثر وصدّق أن الثعلب قد تحول إلى بطل أسطوري. لكن الكلب الذي سال لعابه بين أنيابه، لم يعبأ بالخطابة، فقد كانت الأنابيب تمر تحت قدمي الثعلب، تضخ نفطًا من أذربيجان نحو معدة الكلب، فيتغذى به، بينما يواصل الثعلب وضوءه بالزيت بدل الماء، ويواصل خطبه كما لو أن الوضوء قد طهّره من صفقات الليل.


حين مزّق الكلب سفينة صغيرة كانت تحمل قمحًا إلى الحمامة الجريحة، علا صراخ الثعلب وأعلن أنه قطع العلاقة مع الوحش. صفق الديك الرومي حتى بحّ صوته وطار الخبر في أرجاء الغابة. لكن الأشجار وحدها رأت الحقيقة:

البضائع لم تنقطع، بل وجدت طرقًا أخرى، عبر اليونان أو قبرص أو حتى أعشاش الغربان، لتعود إلى فم الكلب كما لو أن شيئًا لم يكن.

وكانت الطرق الجديدة تُرسم على موائد سرية، ممرات بين آسيا وأوروبا، بعضها يمر عبر مخالب الثعلب وبعضها عبر أنياب الكلب، بينما كانت الحمامة تراقب كل ذلك بجناحين مثقوبين وهي تعلم أن الخرائط تُرسم بالحبر، لكن تُعبد بدمها.
الجماهير، ممثلة بالديك الرومي، لم تكن ترى إلا الخطبة. كلما صاح الثعلب بكلمة دينية أو شتيمة للكلب، تعالى التصفيق. لم يسأل أحد عن الجداول التجارية أو عن حجم الصادرات والواردات، فقد كان يكفي أن تُرفع سبابة الثعلب حتى تتحول الجماهير إلى جوقة تردّد وراءه وتنتفخ بالحماس، ثم تُقاد بعد ذلك إلى المسلخ في موسم العيد.


أما الحمامة، فقد هبطت ذات مساء على جذع زيتون وقالت بصوت خافت:

أيها الثعلب، أيها الكلب… أما شبعتم من دمي؟ لقد صار نزيفي وقودًا لخطبك وصارت مأساتي سلعة في قوافل تجارتك. ابتسم الكلب وعدّ أرباحه، أدار الثعلب وجهه نحو الميدان ليواصل الوعظ وصفق الديك الرومي حتى كاد يسقط من شدّة الحماس. وحدها الحمامة كانت تسقط فعلًا، جثة صغيرة عند جذع الشجرة، لا يبكيها إلا الريح.

في الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء، تحوّل العداء إلى عرض مسرحي وتحولت الخطب إلى تجارة، وصار الدم شعارًا يُرفع في الصباح، ثم يُقايَض عليه في المساء. خرج الثعلب من المنبر مزهوًا بالتصفيق وخرج الكلب من السوق ممتلئًا بالنفط وبقيت الحمامة قربانًا أبديًا… وعلى جثتها تبادل الثعلب والكلب ابتسامة خفية، كأنهما أبرما صفقة جديدة تحت جناحها الممزق.


اللهم احفظ الغابة من الحمام، وأدم على الثعلب خطبته، وعلى الكلب نباحه، وعلى الديك تصفيقه… كي تبقى الدعوة بلا استجابة وتبقى الغابة غابة.
وفي صباح اليوم التالي اجتمعت الحيوانات عند مجلس الغابة وجرى تثبيت هذا الدعاء في الدستور الجديد، بصفحات مذهّبة:

بند أول يمنع الحمام من الطيران، وبند ثانٍ يمنح الثعلب حق الخطابة الأبدية، وبند ثالث يضمن للكلب حصة النفط كاملة، أما الديك فصار وزيرًا للتصفيق الوطني. ومنذ ذلك اليوم، لم يعد الدعاء مجرد هذيان في الليل… بل صار قانونًا يُحكم به النهار.


وهكذا تحوّلت الغابة إلى برلمان بلا معارضة، إلا من الحمامة الميتة.

شاهد أيضاً

نائب الرئيس حسين الشيخ

نائب الرئيس حسين الشيخ يرحب بموقف الرئيس الفرنسي بضرورة مشاركة الفلسطينيين في المؤتمر القادم حول حل الدولتين

شفا – رحب نائب رئيس دولة فلسطين السيد حسين الشيخ “ابو جهاد” ، بموقف الرئيس …