حين ضحكت الضباع من صمت البشر ، بقلم: د. وليد العريض

حين ضحكت الضباع من صمت البشر ، بقلم: د. وليد العريض

الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (21)

هذا الفصل من “الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء” ليس حكاية خيالية ولا طرفة للتسلية، بل هو مسلسل تصويري للواقع البشري كما تراه الحيوانات. الغابة هنا مرآة للبلاد وحيواناتها أكثر صدقًا في تشخيص العلل من بشرٍ غرقوا في النفاق.

فالحيوان في هذه الغابة صار أوعى من الإنسان، لأنه يرى الحقيقة كما هي: الضبع ضبع والذئب ذئب والغراب غراب، بينما الإنسان يتزيّن بالكذب حتى يصدق نفسه.

في الغابة يا صاحبي، تكاثر الضباع حتى صاروا وزراء النهش وصار الثعلب شيخًا يفتي للقطيع أن الصبر عبادة، بينما هو يلعق عظام الولائم خلف الخيام. الغراب لا يصمت، ينعق كل يوم بخطبة أطول من جناحيه، يقسم فيها أن الشمس لن تشرق إلا بإذنه وأن الظلام عبادة ما دام يهبط من منبره. والحمير مصطفّة في الصفوف الأولى تنهق بالتصفيق، تظن نفسها جوقة السماء، بينما ليست أكثر من طبول جوفاء.

أما الذئاب فقد نصّبوا أنفسهم أوصياء على الغابة. يلبسون ربطات عنق من جلد الخراف التي افترسوها بالأمس ويقسمون بأنيابهم أنهم حماة الشرف والمستقبل. وإذا سألتهم عن الفريسة قالوا:

أكلناها باسم الوطن. وإذا سألتهم عن الدم على شفاههم قالوا: هذا حبر الحرية.

وصار للقردة مسرح عظيم، يرفعون صور الحكماء بجوار صور راقصات السيرك ويضعون المتنبي بين لاعبي الكرة والجاحظ بين المهرجين. أما الببغاوات، فهي تردّد بلا فهم:

كل شيء بخير
كل شيء بخير حتى صدّقها بعض الدجاج، فنام في الأقفاص راضيًا.

لكن الغابة تعرف الحقيقة. تعرف أن الضباع ضباع وأن الثعالب ثعالب وأن الغربان لا تُنبت فجرًا مهما نعقت. تعرف أن كل هذا السيرك ليس إلا ستارًا لسرقة ما تبقّى من عظامها اليابسة. ومع ذلك، فإن الريح ستأتي والريح لا تسأل الضباع ولا تستأذن الغربان. ستأتي وتكنسهم جميعًا كما يُكنَس الغبار من عيون الصباح.

وحينها يا صاحبي، سيضحك التاريخ من نعيق الغربان ومن فتاوى الثعالب ومن أناشيد الحمير وسيكتب أن الغابة التي لم يُستجب فيها الدعاء قد استجاب لها القدر وأن النور رجع كما كان، بعد أن سقطت اقنعة القطاريز.

سنكتب بالدم لا بالحبر صرخاتنا،
ونكسر بالحق أنيابَ كلابكم
ويُسقط سكان الغابة اقنعة قطاريزكم

آن للغابة أن تستعيد فجرها.