
حين خبزت الغابة رغيفًا بلا اتجاه ، بقلم: د. وليد العريض
الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء (20)
في صباحٍ غائم، اجتمعت حيوانات الغابة عند التنور الكبير.
قال الأسد بزهوّ: سنخبز رغيفًا نرفعه إلى السماء ونثبت أننا ما زلنا أعظم الغابات.
صفّق الببغاء وهو يردّد بلا تفكير: انتصار! انتصار!
لكن العجين كان مسروقًا من مخازن النمل والماء الذي عُجن به من بركة آسنة يبول فيها الضباع.
قفز الثعلب مبرّرًا: القشرة ستلمع كالذهب، ولن يجرؤ أحد أن ينظر إلى الداخل.”
أما القرد فقد هتف: حرية! حرية!، ثم رمى موزة في وجه العصفور الذي حاول الاعتراض.
الغراب لم يتوقف عن الصراخ: الهوية، الهويّة!، بينما كان يلتقط بقايا علب الكاتشب المستوردة من مخيم البشر.
الحمار راح يردّد بصوتٍ أجوف: كنّا ملوكًا، كنّا علماء، كنّا حضارة!، بينما معدته تقرقر من الجوع.
البومة أمالت رأسها وقالت بحزن: العقل هنا مثل فرنٍ معطوب، يلمع من الخارج ولا يشتعل من الداخل.
ضحك الذئب وأضاف ساخرًا: العدل؟ كلمة في خطبة. المساواة؟ خطيئة!
وحين جاء السؤال: من الذي خبز الرغيف المحترق؟
نظر الجميع إلى السماء وتظاهروا بالبراءة، ثم رموا التهمة على الريح.
العصفور الصغير تمتم بالحقيقة: لقد خبزتم بالكذب!، لكن القطط خدشته بمخالبها وأمرتْه بالصمت.
رفعوا الرغيف المحترق عاليًا فوق المخالب والأجنحة.
هتف الببغاء:
انتصار! انتصار!
ابتسم الأسد بفخرٍ أعمى، بينما الضباع بدأت تنهش الأطراف السوداء.
لكن حين قضمت الفيلة لقمة، صاحت بصوتٍ مدوٍّ:
لا شيء هنا يشبه شيئًا، كلّ شيء ضدّ كلّ شيء!
ومنذ ذلك اليوم ظلّ الرغيف يطوف في الغابة، رمزًا لسخفها وعجزها، وسمّوه: الرغيف بلا اتجاه.
خاتمة مفتوحة:
كلّ فصول الغابة لم تكن إلا انعكاسات مشروخة لوجوهنا:
الأسد المغرور المنبوذ، الضبع الذي ادّعى الحكمة، الجرذ الذي ورث نشيدًا أجوف، البومة التي طُردت من مجلس الحكمة، العصفور الذي رسم حريته على جناحه، وصولًا إلى الرغيف المحترق بلا اتجاه.
لكن الحكاية لم تنتهِ.
فالدعاء ما زال يعلو من حناجر العصافير، حتى لو أُسكتت بمخالب القطط.
والقمح ما زال قادرًا أن يُزرع من جديد، لو أفاقت الأرض من سباتها.
ولعلّ الغابة ستلد جيلًا لا يرفع رغيفًا محروقًا إلى السماء، بل يخبز خبزًا نقيًا من قمحها، بماءٍ طاهر وفرنٍ صادق.
حتى ذلك اليوم، ستبقى الغابة مكانًا لا يُستجاب فيه الدعاء،
لكن من يدري؟
ربّما يُستجاب ذات صباح، حين تشرق الشمس من داخلنا قبل أن تأتي من السماء.