
” د. ليلى غنام … ، انتماء يواجه الرصاص ” ، بقلم : د. منى احمد ابو حمدية
في لحظةٍ يقتحم فيها الاحتلالُ شوارع المدينة، وتشتعل الأزقة برائحة الغاز والرصاص، لم تكن رام الله وحدها في مواجهة الاقتحام
كانت روحها هناك، تمشي بين شوارعها، تتنفس الألم كما يتنفسه أهلها، وتضمّد الجرح بيدٍ ثابتة وقلبٍ لا يعرف الانكسار
كانت الدكتورة ليلى غنام، محافظ رام الله والبيرة، شاهدةً وفاعلة، لا متفرجةً من خلف مكتب ولا باحثة عن ملاذٍ آمن.
لم تختبئ خلف جدار ولا احتمت بأبواب مغلقة،
بل خرجت إلى الميدان، بين الجرحى والمختنقين من غاز الاحتلال السام.
في لحظةٍ كان كثيرون يبحثون عن الهواء، تحولت هي نفسها إلى نسمةِ هواءٍ للناس، إلى يدٍ تمتد لتساعد،
وصوتٍ يعلو ليؤكد أن فلسطين لا تنحني، وأن قيادتها تولد من رحم الشارع لا من مكاتبٍ معزولة.
لقد بدت شجاعتها امتداداً لشجاعة المدينة كلها؛
فحينما كان الاحتلال يحاصر الأرواح بالغاز والرصاص، كانت هي تفتح دائرةً من الأمل وسط الغبار،
تمسح على وجوه الأطفال الذين علاهم الاختناق،
وتشدُّ على أيدي الشبان الذين واجهوا الاحتلال بصدورهم العارية.
لم تكن مجرّد مسؤولةٍ رسمية تؤدي واجباً وظيفياً،
بل كانت ابنةَ هذه الأرض،
امرأةً تعرف أن الانتماء لا يُقاس بالكلمات، بل بالمواقف التي تُختبر في أصعب اللحظات.
إن شجاعة الدكتورة ليلى غنام لم تكن حدثاً عابراً في يوم اقتحام؛
بل هي رسالة تقول : “إن الكرامة الوطنية لا تسكن في المكاتب ولا تُختزن في القرارات، بل تتجسّد حين يلتقي المسؤول بشعبه في ذات الميدان، في مواجهة ذات الغاز، وذات الرصاصة، وذات الخطر”.
ولأن التاريخ لا يحفظ إلا المواقف النقية،
فإن صورة الدكتورة ليلى وهي بين الجرحى والمختنقين، تُضاف إلى ذاكرة المدينة كصفحةٍ من نور،
تروي للأجيال أن المرأة الفلسطينية لم تكن يوماً هامشاً في الحكاية،
بل كانت في صلبها،
صانعةً للمجد،
ورفيقةً للجرح،
وقائدةً لموكب الصمود.
رام الله لم تنحنِ بالأمس يا ليلى لأن بها امثالك هناك، في الشوارع،
بين عامة الناس حيث ينتمي القلب قبل الجسد،
وحيث تُكتب الحكاية بدموع الأمهات وصمود الرجال ونبض النساء.
ومثلما واجهت مدينتها الاحتلال،
واجهت هي الخطر بشموخ،
لتؤكد أن الانتماء الحقيقي هو أن تكون حيث يكون الوطن والناس
لا حيث يكون الأمان والاستقرار.
- – د. منى احمد ابو حمدية – أكاديمية وباحثة – فلسطين .