7:43 مساءً / 27 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الكنائس في غزة: جرس الوحدة الوطنية وصمود الشعب في مواجهة الاحتلال ، بقلم : المهندس غسان جابر

الكنائس في غزة: جرس الوحدة الوطنية وصمود الشعب في مواجهة الاحتلال ، بقلم : المهندس غسان جابر

في ظل الحصار الخانق الذي يلف مدينة غزة، حيث تتكسر حياة آلاف الفلسطينيين يوميًا تحت وطأة القصف والدمار، تبرز الكنائس في المشهد الفلسطيني بوصفها رمزًا استثنائيًا للصمود والوحدة الوطنية، تتجاوز وظيفتها الدينية إلى أفق إنساني ووطني عميق.

لقد تحولت هذه الكنائس، رغم استهدافها المباشر من قبل الاحتلال الذي طالها بالقصف، إلى ملاذ آمن لما يزيد على 6000 فلسطيني معظمهم من كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، يحملون على أكتافهم ثقل المعاناة في ظل غياب الملاذات الآمنة. هنا، تتجلى الوحدة الحقيقية، إذ يعيش المسلم جنبًا إلى جنب مع المسيحي، في تناغم يتحدى كل محاولات تقويض الصف الفلسطيني.

وفي تصريح له أكّد المطران عطا الله حنا، رئيس أساقفة سبسطية للروم الأرثوذكس في القدس، قائلاً: «لن نغادر الأراضي المقدسة، ولن نترك هذه الكنائس تقف وحيدة أمام آلة القتل. نقف مع شعبنا الفلسطيني بكل ما نملك، نشاركهم الألم، ونؤكد أن الأرض لنا ولأطفالنا. الكنائس هنا اليوم أكثر من مكان عبادة، إنها وجه فلسطين الصامد».

في ظل هذا الالتزام الوطني والإنساني، لا بد من التأكيد أن استمرارية الاحتلال وتنوّع أبعاده السياسية والاجتماعية يحتم على الفلسطينيين أوسع مستويات الوحدة الوطنية. فالانقسامات الداخلية والسياسات المختلفة ليست أكثر من عثرات تعيق مسار مقاومة تستهدف وجود الشعب بأكمله.

الأزمة في غزة لا يمكن فصلها عن المحيط الإقليمي والدولي، إذ إن تعقيداتها سياسية بامتياز. على المستوى الإقليمي، تعاني العديد من الدول العربية من أزمات داخلية تحول دون تقديم الدعم السياسي والاقتصادي الكافي، كما أن بعض الأطراف تستخدم القضية الفلسطينية بوصفها ورقة صراع إقليمية، مما يعقّد المسار ويشتت الجهود.

أما على المستوى الدولي، فالمواقف الرسمية غالبًا ما تحمل تعبيرات متذبذبة بين الإدانات اللفظية والمصالح التي تُبقي الدعم الفاعل للتهجير والقصف، ما يجعل الفلسطينيين في موقف شبح من الاعتراف بحقوقهم الإنسانية والوطنية.

في هذا المناخ الملبد، تتضح ضرورة تجاوز الانقسام الفلسطيني الداخلي والعمل على توحيد الجهود السياسية والاجتماعية، الأمر الذي يشكل المدخل الأساسي لتحسين موقف القضية الفلسطينية على الساحة الإقليمية والدولية. فالعدو الإسرائيلي لا يميّز بين مسلم ومسيحي، ويسقط قنابله فوق الجميع بلا هوادة، ولذلك فإن الوحدة الوطنية ليست رفاهية سياسية، بل ضرورة وجودية.

وبين جدران هذه الكنائس، التي تحمل صمود شعب كامل يرفض الموت، نجد مثالاً حيًا على أن الوحدة ممكنة وأنها ليست مجرد شعار بل فعل إنساني ووطني يُمكن أن يقود إلى خلاص.

إن صمود الكنائس في غزة ومشاركة جميع أبنائها في مواجهة المآسي، هي رسالة واضحة لكل القوى الفلسطينية: آن الأوان لوقف المهاترات، ورفع لغة المسؤولية الوطنية، والعمل بمسؤولية على توحيد الصفوف من أجل فلسطين واحدة، يعمرها السلام والحرية.

نقول، يبقى جرس الكنائس في غزة يدوي عالياً، يذكرنا أن الوطن لا يبنى إلا بتكاتف أبنائه، وأن حقنا في الحياة والكرامة لن يُنتزع ما دمنا نُقاوم معًا ونتمسك بوحدتنا الوطنية.

نؤكد انه في لحظة يحتدم فيها الصراع ويتصاعد معها الألم والمعاناة، تبقى الكنائس في غزة رمزًا حيًا للأمل والصمود، وشاهدًا على قدرة الشعب الفلسطيني على التماسك رغم كل المحن. فالوحدة الوطنية ليست رفاهية في زمن الحصار، بل هي السبيل الوحيد لإنقاذ ما تبقى من حياة وكرامة. على الجميع، من قادة وفصائل ومواطنين، أن يعوا حجم المسؤولية التاريخية التي تحمّلوها، وأن يسعوا بكل ما أوتوا من قوة إلى تجاوز الأحقاد والصراعات الداخلية، والالتحام خلف قضية واحدة، هي قضية الوطن والشعب.

فلسطين بحاجة اليوم إلى صوت واحد، وإرادة واحدة، وجسد موحد قادر على مواجهة التحديات التي تفرضها ظروف غاية في التعقيد. إن بقاء الكنائس وقواعد الصمود التي تمثلها، يجب أن يكون منطلقًا جديدًا للحوار والعمل، نحو فلسطين أكثر حرية وعدالة وشمولية.

ولنُسمع جميعًا صدى جرس الكنيسة، الصوت الذي يدعونا ليس فقط للصلاة أو الذكرى، بل للاستجابة الحقيقية لنداء الحياة والحرية، في وطن واحد لا يقبل بالبدائل.

  • – م. غسان جابر – مهندس و سياسي فلسطيني – قيادي في حركة المبادرة الوطنية الفلسطينية – نائب رئيس لجنة تجار باب الزاوية و البلدة القديمة في الخليل.

شاهد أيضاً

نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر يتسلم جائزة نيلسون مانديلا لحقوق الإنسان من اتحاد "يونيڤور" الكندي

نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر يتسلم جائزة نيلسون مانديلا لحقوق الإنسان من اتحاد “يونيڤور” الكندي

شفا – تسلم نقيب الصحفيين الفلسطينيين ناصر أبو بكر، جائزة نيلسون مانديلا لحقوق الإنسان، التي …