2:25 مساءً / 27 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

حيّ بن يقظان .. ولادة العقل في حضن الوجدان ، قراءة أدبية – فلسفية في محاضرة الدكتورة نور بني عطا ، بقلم : د. وليد العريض

حيّ بن يقظان .. ولادة العقل في حضن الوجدان ، قراءة أدبية – فلسفية في محاضرة الدكتورة نور بني عطا ، بقلم : د. وليد العريض

في أمسية غمرها النور والدهشة، التأم الحضور ليستمعوا إلى المحاضرة الثانية ضمن سلسلة ينظمها مركز دراسات أمريكا اللاتينية برئاسة الدكتور علي الشبول المتخصص في دراسات ايبرو أمريكا وجزر الكاريبي. هذه المرة لم يكن الضوء مسلّطًا على التراث اللاتيني، بل على نص عربي – إسلامي خالد :


رسالة حيّ بن يقظان للفيلسوف الأندلسي ابن طفيل. أتت هذه المحاضرة استكمالا من نقطة الانطلاقة من محاضرة د. سارة الشماس من الأرض المقدسة … فلسطين لوضعنا في بلاد الأندلس اسباني اليوم ، ولتترك مجالا لمرحلة جديدة للولوج فيها. وفي حضرة الدكتورة بني عطا، غدا النص حيًّا، يتنفس بيننا من جديد.

لم تقرأ المحاضِرة النص بعين الباحثة الجافة، بل سبحت في أعماقه كما يسبح العارف في محيط المعنى وجالت بين طبقاته كما يجول الفيلسوف في فضاءات السؤال. رسمت مسار حيّ بن يقظان بلمسة أدبية وفكرية معًا:


من الطفولة في جزيرة العزلة، إلى وعيه التجريبي بالطبيعة، إلى ارتقائه في مدارج العقل، ثم إلى مقام المكاشفة حيث يلتقي العقل بالروح في لحظة صفاء كوني.

أوضحت الدكتورة بني عطا أن ابن طفيل لم يكتب رواية للتسلية، بل أقام جسرًا بين الفلسفة والدين، بين العقل الذي يزن ويستدل والوحي الذي يكشف وينير.

الحقيقة واحدة في جوهرها، تتعدد سبل الوصول إليها:
بالعقل أو بالشرع، بالبرهان أو بالذوق.


هنا يلتقي حيّ بالفيلسوف والمتصوف معًا، في صورة إنسان يبحث عن المطلق.

وفي لحظة التحليل الاجتماعي، توقفت المحاضِرة عند اللقاء بين حيّ وأبسال القادم من المجتمع، لتكشف عن حكمة ابن طفيل:

أن الحقيقة لا تُدرك بالطريقة نفسها عند الجميع؛ العامة يكفيهم ظاهر الشرع لحياتهم الروحية، أما الخاصة فيرتقون إلى مراتب الفكر والتأمل.


إن هذا التمايز –كما أبرزت– ليس إقصاءً، بل اعترافٌ بتنوّع الطاقات الإنسانية وقدرتها المختلفة على استقبال الحقيقة.

جهد الدكتورة بني عطا في هذه المحاضرة كان جهدًا أكاديميًا رصينًا مؤسسًا على دراسة متعمقة للنص، لكنه في الوقت ذاته مشبع بوجدانية جعلت المستمعين يلمسون أن حيّ بن يقظان ليس شخصية من القرن الثاني عشر، بل هو صورة لكل واحد منا وهو يسير من ظلمات الجهل إلى نور المعرفة.

ولم تكن القاعة مجرد مسرح للإصغاء، بل فضاءً للحوار. المداخلات العلمية التي أعقبت المحاضرة أضافت أبعادًا جديدة:
أسئلة عن التوفيق بين العقل والدين اليوم، عن مكانة الفلسفة في عالمنا المعاصر وعن قيمة التصوف في زمن يغلب عليه الاضطراب. وهكذا غدت المحاضرة جسرًا بين الماضي والحاضر، بين التراث والأسئلة الحية.

أما إدارة الجلسة، فقد تولتها الدكتورة نور سعد بحضورها المتميز، فأحاطت النقاش بعناية وفتحت المداخل بسلاسة وأغلقت اللقاء بنغمة وجدانية تركت في القلوب أثرًا مضاعفًا. شعر الحاضرون حقًا أنهم بين نورين:

نور الدكتورة بني عطا التي أضاءت الفكر بتحليلها ونور الدكتورة نور سعد التي أضافت الوجدان بحضورها الراقي.

خرجنا من تلك الأمسية لا نحمل ملخصًا لمحاضرة فحسب، بل نحمل أثرًا عميقًا: أن رسالة ابن طفيل ليست نصًا مدفونًا في بطون الكتب، بل ولادة متجددة لعقل يبحث وقلب يذوب وإنسان يفتش عن معنى وجوده. لقد جسدت المحاضرة نبامتياز أن المعرفة لا تكتمل إلا حين يلتقي العقل بالوجدان والفلسفة بالدين والإنسان بالكون.

شاهد أيضاً

مراد السوداني يبحث مع مدير البيت الروسي في بيت لحم سبل التعاون الثقافي

مراد السوداني يبحث مع مدير البيت الروسي في بيت لحم سبل التعاون الثقافي

شفا – بحث الأمين العام للاتحاد العام للكتاب والأدباء الفلسطينيين الشاعر مراد السوداني، اليوم الأربعاء، …