
قراءة وجدانية صوفية في نص: تعال عد لعرينك ، للكاتبة نهاية البيم ، بقلم: رانية مرجية
حين يفيض القلب شوقًا، ويتحوّل الغياب إلى صحراء قاحلة، يخرج النص من بين الضلوع كصرخة، كابتهال، كصلاة سرية تبحث عن الحضور المفقود. نص تعال عد لعرينك ليس مجرد بوحٍ عاشق لحبيبٍ غاب، بل هو مناجاة روحية، تذوب فيها الذات في الآخر حتى يصيران واحدًا. إنّه نص يقطر وجعًا وحنينًا، ويصوغ من النداء تكرارًا مقدّسًا: تعال، عد، تلطّف.
البعد الوجداني
النص ينهض على حرارة انفعالية عالية، تتجسد في نبرة الاستجداء الممزوجة بالخوف: من حول نفسي أدور وألف، دونك المآسي من حولي تلتف. هنا لا يغدو الغياب مجرد خيبة شخصية، بل يتحول إلى اختلال في الكون كله. الطبيعة ذاتها تدخل في دائرة الحزن: الربيع دونك من أزهاره يجف، ريحاني تذبل. كل شيء يذوي لأن الغائب ليس غياب جسد فقط، بل غياب روح تُقيم التوازن.
الصور الصوفية
ما يجعل النص عميقًا هو هذا الامتزاج بين الجسد والروح، بين الأرض والسماء. صورة جورية الخد، صفو السماء والبدر، العرين، كلها لا تبقى مجرد صور حسية، بل تتعالى لتصير رموزًا كونية. الحبيب هنا أقرب إلى المطلق، إلى النور، إلى اللهفة الأولى التي لا تُطفأ. العودة إلى العرين ليست عودة مكانية فقط، بل عودة إلى الأصل، إلى الحضن الأول، إلى الروح التي لا تكتمل إلا بالآخر.
المعنى الرمزي
يمكن أن نقرأ النص بوصفه نداءً للوطن، للبيت، للهوية التي نفتقدها. فالعرين ليس فقط ملاذ الحبيب، بل هو الوطن بأسره، هو الذاكرة الأولى، هو الجذور. وحين تقول الكاتبة عد إلى بيتك لوطنك تلطّف، فإنها لا تخاطب فردًا بعينه، بل تخاطب الروح الجمعية، تخاطب الغائب الأكبر: الوطن المفقود.
صوفية الغياب
النص يتحرك مثل دائرة من الذكر الصوفي: يبدأ بالنداء وينتهي بالنداء، كما لو أن التكرار ذاته فعل عبادة، رجاء لا يهدأ، صلاة لا تنقطع. هذا الإصرار على الاستدعاء يشبه تسبيح العاشق الذي يذكر محبوبه في كل لحظة، حتى في الغياب. ومن هنا تتحوّل القصيدة إلى نوع من المناجاة التي تذيب الفردي في الكوني، والعاطفي في الروحي.
خاتمة
تعال عد لعرينك نص يقطر حنينًا صوفيًا، يذيب الحاضر في الماضي، والذات في الغائب، ليخلق وعدًا بالعودة والانبعاث. نص يليق أن يُقرأ كقصيدة حب، وكابتهال روحي، وكمرثية للوطن. في هذه القصيدة، الغياب ليس موتًا، بل وعدًا باللقاء، وصوتًا أبديًا يقول: البيوت، مثل الأرواح، لا تموت