4:00 مساءً / 23 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

التعليم بين ثقافة التساؤل وثقافة الصمت الصفي ، بقلم : د. فواز عقل

التعليم بين ثقافة التساؤل وثقافة الصمت الصفي ، بقلم : د. فواز عقل

يقول جبران خليل جبران : جميعنا نملك نفس العيون لكن لا نملك نفس النظرة للأشياء
إلى كل من أنار بعلمه عقل غيره


ثقافة التساؤل تعني بيئة صفية آمنة جذابة شيقة ممتعة مرنة تشجع الطلاب على طرح الأسئلة حول ما يحدث داخل الصف بدل الاكتفاء بتلقي المعلومة وهي تحويل غرفة الصف من مكان إيداع المعلومة في عقل الطالب إلى بيئة نشطة متفاعلة تقوم على المناقشة والحوار والتساؤل حيث يكون الصف خلية نحل الكل يعمل لتحقيق الهدف وهنا يتحول الصف من مركز تفريغ إبداع إلى تفريخ إبداع.


و هذه البيئة الصفية تساعد على بناء الثقة لدى الطالب و تقوم على التفكير النقدي المستقل و تقوم على المشاركة و التفاعل في بناء المعرفة لأن تسع أعشار التعلم هو نتيجة لتساؤل الطالب، و تهدف ثقافة التساؤل إلى جعل التعلم متمركز حول الطالب ، و تساعد الطالب على العمل مع الآخرين و الإصغاء الإيجابي النشط و الاهتمام بما يقولوه الآخرين و فهم مشاعر الآخرين و العمل بروح الفريق و التواصل مع الآخر و حل المشكلات، و قد طلب خليل السكاكيني بأن يكون التعليم قائم على إعزاز الطاب لا إذلاله و دعا إلى تجنب البيئة القهرية التي تقوم على قهر المعلم للطالب.


أما ثقافة الصمت الصفي حيث يقول بعض المعلمين أنا إذا رميت الابرة في الصف تسمعوا صوتها، هذا يعني تقزيم وإيقاف عقل الطالب، لأن هذه البيئة مليئة بالتوتر والقلق والخوف وتسيطر عليها ثلاثية التلقين والحفظ والاسترجاع وإيداع المعلومة في عقل الطالب، كما يقال: تعلم بنكي، لأن هم المعلم الوحيد هو إنهاء الكتاب المقرر والتركيز على الامتحانات من خلال ورقة وقلم وهذه البيئة تمنح سلطة كاملة في الصف للمعلم ولا تتيح أي فرصة لمشاركة الطالب.


وقد يكون المعلم كما ذكرنا سابقا هو مصدر الصمت الصفي وقد يكون الطالب هو سبب الصمت الصفي نتيجة للخوف من الخطأ والقلق وقلة الدافعية والابتعاد عن المشاركة والخجل من سخرية المعلم والطلاب ويرجع إلى عدم تعود الطالب على السؤال.
معيقات ثقافة التساؤل والتفكير:


1-ثقافة التلقين والحفظ والاسترجاع التي تهيمن على العملية التعليمية والتي تنتج طلاب يحفظون المعلومات وليسوا منتجين لها.
2-ثقافة الخوف من الخطأ والتعرض للسخرية من المعلم ومن طلاب الصف مما يقتل الرغبة في التساؤل أو التحدث.
3-الارتباط بالماضي الذي يؤدي إلى مقاومة التغيير والتجديد، مع أن المثل العربي يقول: التجديد حياة.
4-غياب ثقافة المناقشة والحوار والإقناع سواء في الأسرة أو في الشارع أو في المدرسة.
5-الخوف من قول لا والتوافق مع الآخرين دون إقناع معهم معهم عليهم عليهم وسيطرة ثقافة القطيع.


في دول العالم الآخر عندما يرجع الطفل إلى البيت تسأله الأم: ما الأسئلة التي سألتها للمعلم اليوم؟ أما في الدول النامية عندما يرجع الطفل إلى البيت أول سؤال تسأله الأم أخذتوا علامات اليوم؟ قديش علامتك؟


هذه المقالة تتحدث عن التعريف بثقافة التساؤل التي تقوم على مهارات التفكير العليا، التحليل والنقد والمقارنة والتقويم وإنتاج أسئلة موجهة لتوسيع الفهم وكشف الغموض والوعي بالموضوع وتباين الفجوات المعرفية وبناء جسور بين ما نعرفه وما نريد معرفته ومهارة طرح الأسئلة ليست مهارة عشوائية ويمكن اكتسابها من خلال الممارسة وهي مهارة ممكن تطويرها من خلال المناقشة مع الآخرين من خلفيات متنوعة ومن خلال القراءة ومن خلال ممارسة التساؤل والتغيير المتسمر في نوعية الأسئلة.


التربية الحديثة 1-تشجع التساؤل 2-وتعتبر أن التدريس يبدأ من السؤال وليس من المعلومة و3-تعتبر ان المعلم الجيد لا يجيب على الأسئلة بل يثير أسئلة 4-وتعتبر السؤال محرك للإبداع وتوليد أفكار جديدة 5-وتعتبر أن السؤال الجيد يجب أن يكون واضحا ويركز على موضوع واحد لأنه كلما كان السؤال محدد كان الجواب دقيقا وطرح أفكار جديدة قابلة للقياس، وهنالك أنواع كثيرة من الأسئلة حسب الهدف، منها الأسئلة التفسيرية والأسئلة الوصفية والتنبئية والتحليلية والتقويمية.
وهنالك أخطاء شائعة عند صياغة الأسئلة منها:


1-احتواء الأسئلة على حكم مسبق.
2-تفتقر إلى الوضوح والتحديد.
3-تحتوي على أكثر من استفسار في سؤال واحد.
4-تتداخل فيها التخصصات.
أقوال عن ثقافة التساؤل والأسئلة:
لن يتغير الحال بدون سؤال /المهم أن لا تتوقف عن السؤال / السؤال هو فعل مقاوم للجهل /السؤال هو بداية و ليس نهاية / من يسأل كثيرا يتعلم أكثر و يصل أبعد /السؤال أداة العقل الأولى / وراء كل فكرة عظيمة هنالك سؤال بسيط/ ما من سؤال عميق إلا و سبقه سؤال ذكي (نتشيه) /العالم لا يتقدم بالإجابات بل بالأسئلة (كارل بوبر) /الأسئلة تولد المعنى و الإجابات تقتل الفضول (جورج شتاينر) /كل سؤال وراؤه بذور ألف سؤال (جبران خليل جبران) / أول الطريق للحكمة هو أن تسأل (أرسطو) /الأسئلة غيرت مجرى التاريخ و حياة البشر / من يسأل سيبدو غبيا لخمس دقائق و من لا يسأل يظل غبيا إلى الأبد (مثل صيني) /السؤال هو أصل التفكير و هو جسر بين الإنسان و المعرفة / السؤال لا يهدف فقط للمعرفة بل ليكتشف الجهل و يحرر الإنسان منه (سقراط) / الإنسان لا يصبح مفكرا حيث يجيب على الأسئلة بل حين يسأل (هايد غر) .


الطيور التي ولدت في القفص تعتبر الطيران جريمة والطفل الذي يتعلم من خلال ثقافة الصمت الصفي يعتبر السؤال وقاحة
وهنا أقول على التربية ألا تعلم الطالب شيئا يستطيع أن يتعلمه لوحده ولا تقرأ له شيئا يستطيع أن يقرأه لوحده
دور المدرسة أكبر من أن تحكم على الطالب من خلال ورقة وقلم.


المدرسة لن تكون مكان للتعلم إلا إذا علمت الطالب أن يقول لا وأن يستخدم عقله وأن يبحث عن الحقيقة
الحل لأي مشكلة هو موجود مسبقا كل ما علينا فعله هو أن نسأل الأسئلة الصحيحة لنكتشف الحل.
وأقول إن غرس ثقافة التساؤل والمناقشة والحوار يتطلب إعادة النظر في فلسفة التعليم وإعادة تعريف كل مكونات العملية التعليمية بتعريفات تتلاقى مع العصر الذي نعيش فيه.


وهنا لا بد من:


1-الانتقال من تعليم يقوم على النصح والإرشاد والتوجيه إلى تعليم يوقذ العقل تعليم يفتح نوافذ أما عقل الطالب.
2-الانتقال من منهج مغلق من الألف إلى الياء إلى منهج المهارات المفتوحة الأكاديمية والحياتية والتواصلية والتكنولوجية واللغوية.
وأقول هنا: أن المعلم هو الذي يصنع الفرق وليس كتاب المدرسة لأنه إذا كان هناك كتاب جيد ومعلم سيء ضاع الهدف ولكن إذا كان هناك كتاب سيء ومعلم جيد يتم تحقيق الهدف.
3-الانتقال من طالب متلقي سلبي إلى طالب مشارك متفاعل لأن المعرفة لا تحقن في العقل.
4-الانتقال من بيئة تقوم على القلق والتوتر والقهر إلى بيئة جذابة شيقة ممتعة آمنة ديناميكية.
5-الانتقال من ثلاثية الحفظ والتلقين والاسترجاع إلى أساليب تعليم أكثر تحفيزا وتنوعا ومرونة.
6-الانتقال من تقويم يعتمد على ورقة وقلم إلى تقويم مفتوح وبدائل متنوعة من خلال لعب الأدوار والعصف الذهني وحل المشكلات والمشاريع.


وأقول إن الطلاب لا يتعلمون بمجرد دخول الصف والجلوس على الكراسي وتدوين الملاحظات والإصغاء للمعلم، الطلاب يتعلمون عندما يشاركون يناقشون يحاورون يسألون من خلال مدرسة لا تضع أسوار حول عقل الطالب.
إن المدرسة ليست مجرد بناء جميل بل هي مكان لبناء شخصية الطالب في كل المجالات


المدرسة ليست فقط مكان لتلقي المعلومة بل مختبر مصغر في الحياة يتعلم فيها الطالب كيف يسأل ويبحث ويحلل ويعرض نتائج.


إن غرس ثقافة التساؤل والبحث في الأجيال القادمة سيكون انعكاسا مباشرا لمستقبلنا جميعا، فإما أن نغرس حب المعرفة وننمي الشغف والاكتشاف وإما أن نكتفي بتلقين المعرفة، أي جعل الطالب مستهلك لما ينتجه الآخرين، وأردد ما قاله محمود درويش: على هذه الأرض ما يستحق الحياة، وأقول في هذا العقل ما يستحق الكتابة لأن العقل هو كالحديقة البور التي تنتظر من يعمرها.


ويقول فولتير: سئلت من سيقود الجنس البشري مستقبلا، فأجبت: الذين يعرفون كيف يقرؤون.


وأقول أن تزرع بذور القوة في أطفالنا أسهل من أن تداوي رجالا محطمين.
وأقول: نحن التربويون المحاورون أصحاب اليقظة أصحاب البوصلة نصنع البوصلة لليوم التالي ولا ننتظرها.

  • – د. فواز عقل – باحث في شؤون التعلم والتعلم – فلسطين .

شاهد أيضاً

عبد الجواد صالح

حزب الشعب ينعى المناضل الوطني الكبير عبد الجواد صالح

شفا – نعى حزب الشعب الفلسطيني المناضل الوطني الكبير عبد الجواد صالح . وقال “الحزب” …