5:23 مساءً / 21 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الوجود الفلسطيني بين فصول السياسة ، بقلم : الصحفية آمنة الدبش

الوجود الفلسطيني بين فصول السياسة ، بقلم : الصحفية آمنة الدبش


منذ عقود والقضية الفلسطينية تدور في دوامة المشاريع والصفقات تبدأ بمؤتمرات سلام وتنتهي بجولات عدوان تتغير العناوين والمسميات أوسلو، خريطة الطريق، مؤتمر أنابوليس، صفقة القرن وصولاً الى مشاريع إعادة الإعمار لكن جوهر الواقع لم يتغير، الاحتلال يواصل التمدد والاستيطان يبتلع الأرض وغزة تتحمل الكلفة الإنسانية والسياسية الأكبر.


▪︎ صفقة تُفرض أم مقاومة تُصنع


ما بين الحديث عن “إبرام صفقة” تروج لها القوى الكبرى وبين واقع “احتلال غزة” الماثل بالحصار والقتل والدمار يقف الفلسطينيون أمام معادلةٍ قاسية هل تُباع التضحيات الجسام على طاولة السياسة ؟


أم تُكتب معادلة جديدة بصلابة المقاومة؟


الصفقة في جوهرها لا تنطلق من الاعتراف بالحقوق الفلسطينية بل من محاولة شراء الوقت وتسكين الغضب صيغت لتكريس واقع الاحتلال وإقناع الفلسطيني بأن الحد الأدنى من “الحياة المقيدة” أفضل من استمرار المقاومة لكن التجربة أثبتت أن كل صفقة جديدة كانت جسراً لعدوان جديد وأن أي تنازل لم يُقابل بخطوة نحو السلام بل بمزيد من التغوّل الإسرائيلي.


أي صفقة يمكن أن تُبرم فيما يكتب أطفال غزة وصاياهم على دفاتر المدرسة التي احترقت؟


أي ورقة يمكن أن تُوقع بينما تتحول الألعاب إلى شواهد قبور صغيرة فوق صدور الصغار


هنا تسقط كل لغة السياسة أمام دموع الأمهات وآنين الجرحى فالحقيقة التي يحاول العالم تغليفها بالاتفاقيات والمشاريع لا يمكن حجبها هناك شعب يُباد ببطء، وهناك احتلال يواصل جرائمه، وهناك مقاومة تُصنع من تحت الركام لا من على موائد التفاوض.


▪︎ أوهام التسوية


بينما يتجادل العالم في تفاصيل “التسويات” والصفقات المغلفة بوعود كاذبة لتحسين الواقع المعيشي يعيش الغزيون حصاراً خانقاً وقصفاً متكرراً وحرماناً من أبسط مقومات الحياة ، الاحتلال لا يحتاج إلى صفقة ليكرس وجوده فهو حاضر بالمدافع يفرض الواقع بالقوة ويواصل جرائمه دون اعتبار لأي اتفاقيات أما الصفقة فهي الغطاء الناعم لجراحه الغائرة، محاولة لتجميل ما لا يُجمل، وإيهام العالم بوجود حل سياسي بينما الحقيقة تقول غير ذلك الأرض تسلب من أصحابها والأطفال يموتون والمدن تدمر. اما الصفقة تُجبر الضحية على توقيع اعتراف ضمني بواقعها وهنا يكمن الخطر أن تتحول غزة بعد كل ما قدمته من تضحيات إلى ورقة مساومة على طاولة تفاوض بدلاً من أن تبقى أيقونة صمود.


▪︎ المقاومة خياراً وجودياً


المقاومة الفلسطينية ليست مجرد مواجهة عسكرية بل خياراً وجودياً فلسطيني يشمل جميع أشكال الصمود المقاومة الثقافية والاجتماعية والتعليمية والسياسية فهي تجسد رفض الفلسطيني للتهجير ومحاولات طمس هويته وتؤكد أن وجوده على أرضه حق لا يمكن التنازل عنه.


إبرام الصفقة قد يكون محاولة لتخفيف المعاناة اليومية أو لتحقيق مكاسب قصيرة المدى لكنها تواجه تحدياً وجودياً هل تُضعف قدرة الفلسطيني على الصمود والاحتفاظ بحقوقه الأساسية؟ أم أنها تأتي كاستراتيجية تكتيكية مدعومة بموقف المقاومة لضمان تحقيق الحد الأدنى من الحقوق؟


التوازن بين المقاومة وإبرام الصفقة يعتمد على القدرة على حماية الوجود الفلسطيني دون التنازل عن الحقوق الجوهرية فالمقاومة تضمن أن أي اتفاقية لا تصبح أداة لتصفية الحقوق بينما الصفقة المدروسة يمكن أن تمنح الفلسطينيين مساحة للصمود وإعادة البناء، والحفاظ على حياتهم اليومية.


في النهاية، العلاقة بين المقاومة والصفقة ليست صراعاً بين خيارين بل هي مسألة ضبط دقيق للمصلحة الفلسطينية حيث تظل المقاومة الدرع الوجودي والصفقة وسيلة تكتيكية لتحقيق استقرار مشروط بكرامة وحقوق الشعب الفلسطيني.


▪︎غزة علمتنا


غزة ليست ورقة على طاولة المساومة ولا رقماً في معادلة سياسية هي روح أمة بأكملها هي الأم التي لملمت جراح أطفالها، والطفل الذي رفع راية من بين الركام، هي الشيخ الذي ظلّ متمسكاً بمفتاح بيته رغم محاولات النسيان.


في كل زاوية من هذه الأرض المحاصرة تتجسد إرادة صامدة لا تُقهر لا صفقة تُفرض ولا اتفاق يُوقع يمكن أن ينال منها ، غزة تعلمنا أن الحق لا يُمنح بالقوة أو بالمفاوضات بل يُصان بالصمود وبالمقاومة وبإصرار شعب لا يقبل أن تُكتب نهايته على الورق البارد للصفقات السياسية.


ما بين إبرام صفقة واحتلال غزة يبقى الخيار الحقيقي لشعب أنهكته الحروب واضحاً أن يكتبوا حريتهم بأنفاسهم وأن يثبتوا أن الكرامة لا تُشترى ولا تُباع وأن الدماء أغلى من كل الصفقات.
فغزة ليست صفقةً تُبرم..
ولا بنداً يُمحى من ورق..
غزة نبض الأرض
وصرخةُ الأمهات
وغداً… ستكتب الحرية بدمها
ما عجزت عنه الموائد والصفقات.

  • – آمنة الدبش – صحفية وناشطة نسوية بغزة .

شاهد أيضاً

إسرائيل تطالب المنظمات الدولية بمغادرة مدينة غزة

شفا – أعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم الخميس، أنه أجرى ما وصفه بـ”محادثات إنذار أولية” مع …