
الغابة التي لا يُستجاب فيها الدعاء( 18) ، بقلم : وليد العريض
حين صافح الحملُ الذئب
كان الغراب العجوز يقف على غصن مائل قرب الساحة الكبرى، يحدّق في المشهد بتمعّن.
في وسط الغابة، اجتمع الحمل الأبيض، أنظف من قطرات الندى، مع الذئب الرمادي الذي لا يزال على فمه أثر دماء قديمة.
الغابة كلّها حبست أنفاسها.
قال الغراب بصوت أجش:
“يا قوم لقد عرفناه منذ قرن. ليس بالحكايات ولا بالشائعات، بل بالدم والرماد. رأيناه يدوس رقاب الماعز، يسرق طعام القنافذ، يقتلع جحور الأرانب ويعلّقها على جدران كهفه كغنائم.
أجاب القنفذ الصغير وهو يهزّ رأسه:
لكن الحمل
لماذا ذهب إليه؟
رد البوم الحكيم وهو يدير رأسه دورة كاملة:
الحمل حفظ ملامح الذئب كما يحفظ الأسير وجه سجّانه، كان يلعنه كل صباح ومساء، حتى جاء يوم غريب فرش له الورد الطريّ بدل الأشواك.
ضحكت السلحفاة بمرارة:
صافحه فمسح الذئب يده على صخرته كأن الحمل وصمة. جلس معه، فجلس على خرائط الغابة. رفع له راية بيضاء فرفع الذئب علمه فوق أعشاش العصافير.
هنا زمجر الدب:
قالوا لنا: إنه سلام الشجعان. لكنني لم أرَ في الساحة إلا ذئبًا بربطة عنق وحملًا ببدلة رسمية وطاولة مستديرة عليها خرائط مطوية وتحتها ذاكرة مطوية.
تدخل البوم الحكيم مرة أخرى:
لقد غيّرنا القاموس بأيدينا: صار افتراس الجِراء ‘إدارة مشتركة’ وصار سلب العشب تعاونًا عمرانيًا وصارت الخيانة قرارًا سياديًا.
تنهد الغراب العجوز:
كذبنا على أنفسنا حتى صدّقنا أن الذئب إذا شبع من الحمل، سيجلس بجانبه يشرب الحليب. لكن الذئب يا صغاري لا يشرب الحليب يشرب الدم حتى آخر قطرة.
في زاوية الساحة قفز الأرنب الأشيب وقال بيتًا يحفظه منذ زمن:
بِعتُم سَلامَكُمُ لِلذِّئبِ مُبتَسِمًا فازدادَ فيكُم نَهشًا ثمَّ قد شَكَرَا.
هزت القردة الأم رأسها بأسى وهي تضم صغارها:
اليوم في المروج التي كانت تصرخ: الموت للذئب نرى لافتات تقول: أهلاً بالشريك. وفي مدارس الغابة التي كانت تحفظ أسماء الحملان المفقودة نرى صورة الذئب المبتسم في الكتب تحت عنوان ممثل السلام’.
اقتربت السلحفاة من الجميع وسألت بصوت خافت:لماذا طبعنا؟”
لم يجبها أحد.
فالجواب كان يرفرف في الهواء، مثل رائحة الدم القديمة لا يحتاج إلى شرح.
وفي النهاية، سأل الغراب العجوز سؤالاً تركه معلقًا في سماء الغابة:
هل يمكن أن تُبنى جسور بين الحمل والذئب على عظام القطيع؟
وهل يحق للحمل أن يلوم الذئب إذا كان هو من فتح له باب الحظيرة؟