
حين تبكي الكلمات: قراءة وجدانية في صرخة هند هاشول راشد “كفى عنادًا” بقلم : رانية مرجية
في زمنٍ تبلّد فيه الضمير، وتراكم فيه الظلم حتى فاضت الأرواح بالاختناق، تأتي قصيدة هند هاشول راشد كصرخة من الأعماق، لا تهادن، لا تجامل، بل تصفع الواقع بمرآته الحقيقية.
“كفى ظلماً، كفى استبداداً، حتى متى هذا العناد؟!”
بهذه البداءة النارية، تفتتح الشاعرة صلاتها الموجعة، لا بصوت عالٍ فحسب، بل بصوت الداخل المنكسر، المجبول بالقهر والمطرّز بالخوف. إنها ليست مناجاة، بل محاسبة صريحة لمن استباحوا الضعف، ولمن تجبروا باسم الأوهام، وظنوا أن الليل بلا فجر.
هذه القصيدة تحمل في بنيتها نَفَسَ المراثي القديمة، تلك التي كانت تُتلى على الخراب والدمار، ولكنها تتجاوز الرثاء إلى الفعل، إلى الهزّة، إلى التحريض الإنساني العميق. فهي دعوة للصحوة، ومساءلة للبصائر التي اختارت الرقاد.
في قولهـا:
“سهرت الدموع في الجفون
وبات الجوع في الأكباد”
نحن لا نقرأ وصفًا، بل نحسّ حضورًا حيًا للجوع، للدمع، للوجع المتراكم الذي لم يعد يختبئ خلف الأبواب، بل صار مقيمًا في الأجساد.
ومن أرقى ما في النص، تلك المفارقة النبيلة بين وجوه الأولاد والمعابد، فكلاهما فقد ملامحه:
“اشتاقت البسمة لوجوه الأولاد
واشتاقت المعابد لصدق العباد”
الطفولة تُغتال، والروحانيات تفرغ من معناها، والاثنان يصرخان في وجه زمنٍ فاسد سلب البراءة والصدق معًا.
القصيدة تُبنى بتراكم الموجع، بتكرار “كفى”، لا كزخرفة بل كتصعيد نَفَسي، كأنّ الشاعرة تتنفس ألمًا من صدر أمة بأكملها. وذاك التكرار ليس ضعفًا، بل مقاومة شعرية، تعبير عن رفض مستمر لا يلين.
وفي الختام، لا تختم الشاعرة نصها بإجابة، بل بصرخة جديدة:
“ألا كفوا… كفى عناد!”
لتبقي الباب مفتوحًا للتغيير، ولتبقى القصيدة نفسها وصيةً وأمانةً في عنق من يقرأ.
إنه نصٌّ يُشبه صلاة الوجع الأخيرة، لكنه في الوقت نفسه، يحمل بذور اليقظة.
قصيدةٌ لا تُقرأ مرة، بل تُتلى، وتُبكى، وتُحمل كالنداء الأخير إلى من لا يزال قادرًا على أن يسمع.