
هي حرب حسم الساحات في المنطقة والإقليم ، .. تحليل ، بقلم : راسم عبيدات
قلنا سابقاً بأن ترامب ونتنياهو،في ظل حالة التماهي ما بين اليمين التلمودي التوراتي الصهيوني المتطرف مع اليمين الأنجليكاني المسياحي الأمريكي المتطرف ،يردون حسم الصراع في الساحات التي لم يجر حسمها،والتي تشكل حجر عثرة كبيرة في وجه المشاريع والمخططات الأمريكية والإسرائيلية، التي تخضع كامل المنطقة للنفوذ والمصالح الأمريكية،وتمنع تقدم الصين وروسيا نحو البحر المتوسط والخليج العربي ،وكذلك تمكن اسرائيل من ان تقوم بدور شرطي المنطقة،بعد سقوط الأطروحة السياسية التي تبنتها القمة العربية في بيروت آذار/2002،”الأرض مقابل السلام”،حيث امريكا واسرائيل تجاوزت هذه الأطروحة السياسية،نحو طرح جديد يقوم على اساس “التطبيع والسلام مقابل الأمن”،وهذه الأطروحة يجري تطبيقها في الساحة السورية،بعد استحضار النظام الجديد في سوريا،حيث يراد شرعنة الإحتلال،وتطبيق مفهوم الدول منزوعة السلاح واستباحة السيادة والمناطق الأمنية،حيث باتت المساحة الجغرافية التي تسيطر عليها اسرائيل من الأراضي السورية كمنطقة أمنية،تفوق مساحة لبنان أكثر من 10480كم2.
امريكا التي جعلت من نفسها ضامن ووسيط في تلك الإتفاقيات التي جرت في لبنان وقطاع غزة للوصول الى هدن مؤقتة وتطبيق الأطراف لتلك الإتفاقيات التي جرى التوصل اليها بضمانة ووساطة أمريكية،وحيث الوقائع والحقائق والتجارب،تقول بشكل واضح بأن امريكا شريك مباشر في تلك الحروب،وليست وسيطاً ولا ضامناً لإسرائيل لكي تلتزم بها.
ولذلك وجدنا أمريكا تنقلب على تلك الإتفاقيات والهدن،وتختلق الحجج والذرائع ل” اسرائيل” لكي تتهرب من تطبيقها والإلتزام بها،وتحمل حماس والمقاومة في غزة وحزب الله في لبنان عدم الإلتزام بها،وهي تدرك أنها تكذب كما تتنفس.
أمريكا،ولكي تستكمل تنفيذ مشاريعها ومخططاتها في المنطقة والإقليم،كما انها انقلبت على المفاوضات التي كانت تديرها مع ايران حول ملفها النووي،وكانت خلال جولات التفاوض الخمس تشيع اجواء من الأمل الكاذب والخداع والتضليل، بأنها تسعى لحل سلمي للملف النووي الإيران،كانت تخطط لشن حرب عدوانية على ايران ومنشأتها النووية.
ولذلك منحت “اسرائيل” الضوء الأخضر لكي تكون البادئة في هجومها على ايران ومنشأتها النووية، وهي لم تكن فقط شريكة مع اسرائيل في هذه الهجمات،بل استخدمت “اسرائيل” كمقاول من أجل تنفيذ هجومها على ايران واستهداف منشأتها النووية والعسكرية ورموز الدولة السياسية والعسكرية والأمنية،والقيام باوسع عمليات تخريب داخلي وفوضى من أجل اسقاط النظام والدولة في ايران.وحيث ان الحرب التي شنت على ايران والتصعيد المستمر في لبنان وفي قطاع غزة،والذي وصل مرحلة التجويع والحصار،لم يحقق الأهداف الأمريكية – الإسرائيلية في خلق الشرق الأوسط الجديد،وعدم القدرة على اخضاع اليمن، وتحوله الى قوة اقليمية قادرة ان تفرض لها حضوراً ووجوداً كقوة اقليمية مقررة في البحر الأحمر وباب المندب والممرات المائية،وما يشكل ذلك من مخاطر على الهيمنة الأمريكية على طرق التجارة العالمية،وسلاسل توريد الطاقة،واغلاق طرق التجارة البحرية الإسرائيلية.
وما سينتج عن ذلك من اضرار اقتصادية كبيرة ليس ل”اسرائيل” واقتصادها فقط،بل التداعيات ستكون كبيرة على اسعار النفط وانهيار اسهم الشركات والبورصات،والإقتصاد العالمي سيتعرض لهزات عنيفة وكبيرة.
ومن هنا كان القرار أمريكياً قبل أن يكون اسرائيلياً بالإنقلاب على كل الإتفاقيات السابقة،بالذهاب الى توسيع دائرة الحرب والعدوان،ففي لبنان بات المطلوب ليس نزع سلاح الحزب والمقاومة،بل تدميره،وفق دفتر الشروط الأمريكية على لبنان رئاسة وحكومة،فلا سلاح استراتيجي لا بيد حزب الله والمقاومة ولا بيد الجيش اللبناني،فهذا السلاح وامتلاكه يثير مخاوف أمنية اسرائيلية،ولا يجوز الإحتفاظ به وحيازته.
وبدلاً من ان تكون الأولوية لتنفيذ اسرائيل لتعهداتها والتزاماتها في القرار الأمريكي 1701،وفي الهدن المؤقتة في قطاع غزة،بعد تنفيذ حزب الله وحركة حماس والمقاومة لإلتزاماتها الواردة في الإتفاقيات والهدن التي رعتها وضمنتها وتوسطت فيها أمريكا،انقلب ويتكوف ونتنياهو على تلك المفاوضات في الدوحة وانسحبوا منها،والتي كانت تقارب على صياغة اتفاق لصفقة تبادل وهدنة مؤقتة،وكذلك المبعوث الأمريكي للبنان وسوريا توماس بارك،واصل تهديداته للبنان،وبأنه اذا لم يجر نزع سلاح حزب الله،فإنه لا يستطيع ضمان تنفيذ اسرائيل للإتفاقيات،بل سيكون مصير لبنان ان يختفي ويصبح جزء من بلاد الشام.
أما حول الإتفاق مع ايران فيما يتعلق ملفها النووي، يجري التشدد في التعامل معها ورفع سقف المطالب ولغة التهديد بتطبيق العقوبات القصوى عليها، والعودة لشن الحرب مجدداً عليها،برفض حقها في التخصيب لليورانيوم للإستخدامات السلمية،وصعدت “الترويكا”الأوروبية التابعة لأمريكا،بريطانيا وفرنسا والمانيا من مواقفها تجاه ايران،والتهديد بتفعيل “الية الزناد”، بإعادة العقوبات عليها وبدون قرار من مجلس الأمن الدولي.
ولذلك قرار الحكومة الإسرائيلية بالذهاب الى الخيار العسكري واحتلال كامل قطاع غزة ،امريكياً وليس اسرائيلياً،وهو يقول بوضوح بأن ترامب وجوقته من ويتكوف وربيو وهاكابي،والذين هم امتداد لنتنياهو وسموتريتش وبن غفير وعميحاي الياهو،سيقودن هذه الحرب،بالقتل والتدمير والإبادة والتجويع،وحتى بمحاكاة ما جرى مع المانيا واليابان في الحرب العالمية الثانية.
ومن هنا هذا القرار لا يندرج في إطار التكتيك التفاوضي والضغط على حماس،وقضية الأٍسرى ليست لها الأولوية،وسموتريتش وبن غفير ونتنياهو،يقولون بشكل واضح الأولوية لتدمير حركة حماس والمقاومة ونزع سلاحها والقضاء على قياداتها داخل القطاع وخارجه،من أجل فرض واقع عسكري وأمني في القطاع،يقود الى تنفيذ خطة ترامب بالطرد والتهجير لسكان قطاع غزة،ما يعرف بالهجرة الطوعية.
المنطقة والإقليم ستكون أمام انفجار واسع عسكري وأمني قد يقود الى خروج الأمر عن السيطرة والذهاب نحو حرب اقليمية،ولعل شحنات الأسلحة بحرا وجوا من امريكا،والتي تشمل شحنات اسلحة دقيقة وموجهة وانظمة دفاع جوي وقنابل عملاقة خارقة للتحصينات وصواريخ موجهة وغيرها،هي جعلت ايران تستشعر الخطر القادم، حيث أعلن عن قيامها بتشكيل مجلس دفاع وطني، واجتماعات ” باكو” العاصمة الأذربيجانية الرباعية بين “اسرائيل” وسوريا وتركيا وامريكا،وما صدر عنها من قرارات عززت من مخاوف ايران،فهي تقول بشكل واضح بأن نظام الجولاني سيكون له دور امني وعسكري في هذه الحرب العدوانية،وكذلك تركيا وبعض الأنظمة الوظيفية العربية،والجماعات الداعشية وقوى متأسلمة والمسماة بالجهادية في افغانستان وباكستان واذريبيجان وارمينيا والعراق وغيرها،ستكون جزء من حلف العدوان.
الحرب باتت قريبة والإنفجار قادم من أجل عملية الحسم،وامريكا واسرائيل ستبدأن المعركة ولكن مدى قدراتهما على الحسم وتحقيق الأهداف،الوقائع والحروب السابقة التي شنت ،تقول بأن العجز عن تحقيق تلك الأهداف سيكون سيد الموقف ،وربما ستكون هذه المعارك القاطرة نحو بروز نظام القطبية المتعددة واقامة عالم جديد أكثر عدلاً وانسانية من عالم امريكا وشركائها وحلفائها،عالم سينتج عنه شرق أوسط جديد ولكن برؤيا مختلفة عن الرؤيا الأمريكية والإسرائيلية.
فلسطين – القدس المحتلة