9:29 مساءً / 4 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

زيارة “جونسون” لمستوطنة أرئيل ، ترف سياحي أم دعم ميداني لمشروع الضم ؟ بقلم : د. عمر السلخي

زيارة "جونسون" لمستوطنة أرئيل ، ترف سياحي أم دعم ميداني لمشروع الضم ؟ بقلم : د. عمر السلخي

زيارة “جونسون” لمستوطنة أرئيل: ترف سياحي أم دعم ميداني لمشروع الضم؟ بقلم : د. عمر السلخي

عندما تتحول الزيارة السياسية إلى منصة استيطانية جديدة

مشهد ميداني مغلف بالرسائل السياسية

لم تكن زيارة رئيس مجلس النواب الأمريكي “جاك جونسون” إلى مستوطنة “أرئيل” وسط الضفة الغربية مجرد زيارة بروتوكولية أو دينية كما حاول البعض تسويقها، بل جاءت في توقيت سياسي حساس، حيث يتزايد زخم الاعتراف الدولي بحق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته المستقلة على حدود عام 1967. وبينما يفتح العالم نوافذ الاعتراف بفلسطين، يسارع الاحتلال الإسرائيلي إلى تثبيت واقع استيطاني على الأرض، يهدف إلى قتل أي أفق لحل الدولتين.

أرئيل لم تكن خيارًا عشوائيًا في أجندة زيارة جونسون، بل اختيارًا محسوبًا بدقة من قبل لوبيات الاستيطان. أرادوا له أن يرى المدينة الاستيطانية بكل ما تحويه من تطور عمراني، وجامعة دولية، وبنية تحتية متكاملة، ليقول للعالم: “انظروا، هذه ليست مجرد بؤرة، بل مدينة كاملة”.

الهدف الحقيقي: التطبيع مع المستوطنات الكبرى

زيارة جونسون ليست إلا جزءًا من حملة إسرائيلية ممنهجة لخلق قناعة دولية بأن الضم هو الحل الطبيعي والمنطقي، وأن “الاستيطان بات واقعًا لا يمكن التراجع عنه”. فعدد المستوطنين اليوم يتجاوز الـ750 ألفًا، موزعين على ما يقارب 300 مستوطنة وبؤرة، ويستخدمون شبكة متكاملة من الطرق، والمياه، والكهرباء، والمدارس، والمستشفيات، والمواصلات العامة.

هذا الثقل الاستيطاني، الذي تم تطويره على مدار عقود، يُستخدم اليوم كذريعة للضغط على الإدارة الأمريكية والدول الأوروبية لدعم مخطط الضم تحت شعار “الواقع لا يمكن تغييره”.

منظمات الاستيطان: أذرع الاحتلال لفرض الوقائع على الأرض

وسلفيت في قلب المعركة الصامتة

منذ سنوات طويلة، اعتمدت إسرائيل استراتيجية “فرض الحقائق على الأرض” كوسيلة لتمزيق الجغرافيا الفلسطينية وتكريس الاستيطان كواقع لا يمكن التراجع عنه. ولعبت منظمات استيطانية مثل “أمانا”، الذراع التنفيذي لحركة “غوش إيمونيم”، دورًا رئيسيًا في تأسيس عشرات المستوطنات والبؤر العشوائية، مستغلة صمت الحكومات وتواطؤ الجهات الرسمية الإسرائيلية.

لم تكن محافظة سلفيت استثناءً، بل كانت في صدارة الاستهداف. فمستوطنة “نفيه حنانيا”، التي أقيمت فوق أراضي ديراستيا، و”بروخين”، التي التهمت أراضي بلدة بروقين، بدأتا كبؤر صغيرة أقامتها “أمانا” بدعم مباشر من حكومة الاحتلال، قبل أن تتحول إلى مستوطنات قائمة ومخططة ضمن ما يُعرف بـ”الكتل الحيوية”.

لاحقًا، تبنّت منظمات أخرى مثل “ناحالا” ذات النهج، لكنها أضافت إليه الطابع الشبابي التعبوي، من خلال إقامة “معسكرات استيطانية” مؤقتة على رؤوس الجبال، كما حدث قرب بلدات كفر الديك وقراوة بني حسان، حيث ظهرت بؤر عشوائية جديدة خلال السنوات الأخيرة، منها ما بات يُطلق عليه اسم “ناتيف هأفوت” و”حفات يئير”، رغم أن بعضها لم يُشرعن رسميًا بعد.

بفضل الضغط المتواصل من هذه الجماعات، حصلت عشرات البؤر في سلفيت على شرعنة جزئية أو كاملة، ودُمجت بشبكة الطرق، وربطت بشبكات الكهرباء والماء، وأُدخلت في المخططات التنظيمية، مما زاد من تعقيد الواقع الميداني، وجعل أي حل سياسي أكثر هشاشة وتعقيدًا.

إن ما يجري في محافظة سلفيت ليس مجرد “توسع استيطاني”، بل مشروع إحلالي منظم تقوده منظمات مدنية بدعم حكومي وأمني، بهدف إحكام السيطرة على القلب الجغرافي للضفة الغربية، وفصل شمالها عن جنوبها، وتحويل أراضي الفلسطينيين إلى أرشيف ذكريات فقط.

محافظة سلفيت: النموذج الأوضح على سرقة الأرض والمستقبل

إذا كانت أرئيل هي الواجهة الاستيطانية التي زارها جونسون، فإن محافظة سلفيت تمثل الجرح النازف الأوضح. فهذه المحافظة الصغيرة جغرافيًا هي الأكبر من حيث عدد المستوطنات والبؤر الاستيطانية، والتي تطوّق بلداتها وقراها من كل الجهات.

أرئيل نفسها تقع على أراضي محافظة سلفيت، وتبتلع آلاف الدونمات من أراضي سلفيت، مردة، كفل حارس، بروقين. يُمنع على أهالي هذه القرى البناء أو التوسع، بينما تنمو أرئيل أفقياً وعمودياً. تُقطع الطرق أمام المزارعين، وتُغلق البوابات الزراعية، وتُجرف الأراضي لتوسعة المستوطنات أو شق الطرق الالتفافية للمستوطنين.

الواقع في سلفيت يُترجم تمامًا نوايا الاحتلال: تحويل المستوطنات إلى مدن متكاملة على حساب القرى الفلسطينية التي تُحاصر وتُخنق تدريجيًا.

عرفات حذّر مبكرًا… لكن من يسمع؟

بعد اتفاق أوسلو، طالب الرئيس الراحل ياسر عرفات مرارًا بوقف الاستيطان، أو على الأقل تجميده خلال فترة المفاوضات، لكن لم يكن هناك من يصغي. الأميركيون والغرب كانوا يخشون الاصطدام بـ”إسرائيل الديمقراطية”، في حين كانت الأخيرة تبني مستوطناتها بهدوء وفعالية.

اليوم، تتجلى تحذيرات عرفات في الواقع الميداني: لا دولة فلسطينية ممكنة في ظل الزحف الاستيطاني، ولا سلام مع وجود أرئيل وأخواتها على جسد الضفة الغربية.

الصراع ليس على الحجر، بل على الاعتراف بالحق

القضية الفلسطينية لم تكن يومًا مجرد صراع على أراضٍ، بل على الاعتراف بحق شعب في تقرير مصيره. الزيارات الاستيطانية التي يقودها مسؤولون دوليون لا تغير من الحقيقة شيئًا: المستوطنات غير شرعية، وأرئيل ليست مدينة بل استعمار جديد بثوب عصري.

وإذا لم تتخذ القيادة الفلسطينية والمجتمع الدولي موقفًا واضحًا من هذه الرسائل الاستفزازية، فإن مشروع الدولة الفلسطينية سيتحول إلى مشروع مؤجل إلى الأبد.

شاهد أيضاً

نائب الرئيس حسين الشيخ يفتتح أعمال جلسة مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات

نائب الرئيس حسين الشيخ يفتتح أعمال جلسة مجلس أمناء مؤسسة ياسر عرفات

شفا – افتتح نائب رئيس دولة فلسطين، السيد حسين الشيخ (أبو جهاد)، أعمال جلسة مجلس …