2:32 مساءً / 4 أغسطس، 2025
آخر الاخبار

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (16) ، بقلم : ا.د. وليد العريض

الغابة التي لا يستجاب فيها الدعاء (16) ، بقلم : ا.د. وليد العريض

“غابة الحكماء الأغبياء.
لمن يفهم الصفير تحت أوراق الشجر!”

في طرف هذا الكوكب، حيث تُشرق الشمس بخجل وتغيب من فرط الملل، عاشت غابة تُدعى جمهورية الحكمة المعصومة.

جميع الحيوانات هناك تبتسم، لا لأن الحياة لطيفة، بل لأن الابتسامة واجب وطني يُذاع كل مساء.

كان الأسد الأعظم يجلس على عرشه المخمليّ المصنوع من جماجم الفئران يوزّع بيانات النصر الأسبوعي:

“لقد ارتفع الإنفاق على المخالب بنسبة 300%! لقد انتصرنا على المنطق ودهسنا أسئلة البومة!”

وكانت القردة الصحفية تدوّن كل ذلك بحماسة، ثم تنشره على لحاء الأشجار وتغني خلفه:

“ما أروعك يا سيدي! حتى لو خسرنا كل شيء، فابتسامتك تكفينا مؤونة التفكير.”

*- الذئب الحكيم ووقاحة السؤال!

وذات ظهيرة، خرج الذئب العجوز من كهفه بعد غياب ثلاث سنوات للتفكير.

وقف على جذع شجرة وصاح:
يا سكان الغابة لماذا نحن الأكثر إنجابًا والأقل فِكرًا؟ لماذا نشتري السيوف أكثر من الكتب؟ لماذا اللبؤات في المطبخ بينما البوم في السجن؟”

ارتعدت أوصال الغابة فتلك أسئلة لا تُسأل.

*- الثعلب المتفلسف… ومناعة الغباء

قفز الثعلب مستشار التبرير وقال مبتسمًا:

يا عزيزي الذئب، الغاية من الحياة ليست أن نفهمها بل أن نُقنع الجميع بأن كل سقوط هو تحليق، وكل قفص هو مدرسة حرية!

ثم هتف الجمع:

عاش الحكيم الثعلب، قاهر المنطق، مُبهر البسطاء!

*- البومة ممنوعة من الحكمة

في زاوية مظلمة، كانت البومة تهمس لنفسها:

في هذه الغابة، من ينظر في المرآة يُجلد بتهمة التشكيك في روعة العرش.

كلما حاولت أن توزع نظارات القراءة، صادرتها السلطات بتهمة نشر الفتنة بين الجهلة.

*- السلحفاة وأبطأ انقلاب في التاريخ

أما السلحفاة السياسية، فقد سارت على مهل فوق خارطة الغابة وقالت:

لسنا ندري أحنّا كما يُحكم علينا، أم حُكم علينا بما نحن عليه؟

لكن أحدًا لم يسمعها، فقد وصلت الجملة متأخرة بثلاث سنوات.

*- الزرافة ممنوعة من رفع رأسها

وفي مشهدٍ مؤلمٍ للغاية، كانت الزرافة تحاول أن ترفع عنقها
لكن اللافتة تقول:

ممنوع التمدّد فوق مستوى المسموح.
فجلست، تكتب شعراً عن السماء وهي مكبّلة بالأرض.

*- الضفادع تكرّم النهر الجاف

وعند المستنقع اليابس، اجتمعت الضفادع تنشد أهازيج الانتصار على العطش!
واحدة منهن قفزت لتسأل:

أين الماء؟
فقامت بقية الضفادع بجلدها بتهمة تشويه صورة النهر الوطني.

*- النهاية… التي لا يريدها أحد

وهكذا، بقيت المرآة مدفونة تحت التراب
والأسئلة ممنوعة
والأرقام تُنقش على صخور الزينة
والنشيد الوطني يُغنّى كل صباح من فم ببغاء أصابه الصمم من كثرة الصراخ.

في غابة الحكمة المعصومة
من يرفع رأسه يُقص، ومن يفكر يُفرم، ومن يتكاثر يُكافأ.
أما من يُحب الحقيقة
فذاك مكانه في قفص التاريخ المنسي.

ا. د وليد العريض
مؤرخ، أديب،شاعر وكاتب صحفي

شاهد أيضاً

الخارجية الفلسطينية

الخارجية ترحب بإعلان سنغافورة استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين

شفا – ترحب وزارة الخارجية والمغتربين بإعلان سنغافورة استعدادها للاعتراف بدولة فلسطين كما جاء في …