
استراتيجية متعددة المستويات: تعبئة القوة الناعمة لدول شمال أوروبا لإنهاء الأبرتهايد الإسرائيلي ، بقلم : نسيم قبها
كرسالة من الحملة الأكاديمية لمناهضة الاحتلال للأعضاء والمؤيدين للقضية الفلسطينية ، تأتي هذه الدعوة في سياق نشاط الحملة وتفكيرها الاستراتيجي.
تتمتع دول الشمال الأوروبي (السويد، النرويج، الدنمارك، فنلندا، آيسلندا) بتقاليد راسخة في دعم حقوق الإنسان والعدالة الدولية والالتزام بالقانون الدولي. يشكل هذا الإرث أساساً قوياً لتعزيز دور هذه الدول في مناهضة نظام الأبرتهايد الإسرائيلي المفروض قهرا على الشعب الفلسطيني المحتل . يتطلب تفعيل هذا الدور تبني استراتيجية “ناعمة” (Soft Power) تركز على التأثير عبر القنوات المؤسسية والثقافية والاقتصادية والقانونية، مستفيدة من السمعة الأخلاقية لهذه الدول وقدرتها على الحوار البناء، مع الحفاظ على الضغط المستدام من أجل التغيير.
يبدأ الطريق بتعزيز الفهم العميق لجوهر نظام الأبرتهايد الإسرائيلي داخل دوائر صنع القرار والمجتمع في دول الشمال الأوروبي . هذا يتطلب توثيقاً منهجياً ودقيقاً للانتهاكات، مستنداً إلى تقارير منظمات حقوق الإنسان الفلسطينية والدولية الموثوقة، وكذلك تقارير هيئات الأمم المتحدة ذات الصلة. تقديم هذه الأدلة بشكل واضح ومختصر، يركز على مظاهر الفصل والتمييز المنهجي في القانون والممارسة الإسرائيلية، مثل نظام الجنسية والمواطنة، وسياسات تهجير الفلسطينيين، والتوسع الاستيطاني، والنظام القانوني المزدوج في الضفة الغربية، وحصار غزة وإبادتها . تعزيز هذا الفهم يخلق أساساً أخلاقياً وقانونياً لا يمكن تجاهله، ويدفع نحو مواقف سياسية أكثر وضوحاً وصراحة.
على المستوى الحكومي، يمكن لدول الشمال استخدام نفوذها الدبلوماسي المميز بطرق متعددة. يتضمن ذلك تعزيز التنسيق بين دول الشمال نفسها لتبني مواقف موحدة وقوية في المحافل الدولية مثل الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان، خاصة الدفع نحو تفعيل توصيات تقارير الأمم المتحدة التي تؤكد وجود نظام أبرتهايد. من المهم أيضاً المطالبة العلنية والمستمرة بإنهاء الاحتلال وضمان المساواة في الحقوق لجميع السكان تحت السيطرة الإسرائيلية، مع ربط أي تعاون أو دبلوماسية مع إسرائيل بخطوات ملموسة نحو إنهاء نظام الأبرتهايد وتمكين الحقوق الفلسطينية غير القابلة للتصرف. كما يمكن تشجيع دول الشمال على دعم التحقيقات الدولية المستقلة في الانتهاكات الجسيمة، بما في ذلك تلك التي قد تشكل جرائم ضد الإنسانية بموجب نظام روما الأساسي.
يمثل العمل على المستوى البلدي والمحلي ركيزة أساسية في الاستراتيجية الناعمة. يمكن تعزيز وتوسيع نطاق مبادرة “حرية التعبير” (BDS) بشكل يركز على الروابط المؤسسية. يشمل ذلك الضغط على البلديات لإنهاء عقودها مع الشركات الإسرائيلية المتورطة بشكل مباشر في انتهاكات حقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة أو في دعم المستوطنات . كما يمكن العمل على جعل المدن الشمالية “خالية من منتجات المستوطنات” من خلال حملات توعية وتشريعات محلية، مستفيدين من القوانين الأوروبية القائمة التي تميز بين إسرائيل والمستوطنات. تعزيز الشراكات المباشرة بين المدن والجامعات الشمالية ونظيراتها الفلسطينية يعزز التضامن العملي ويفتح قنوات دعم مباشرة.
يعد المجتمع المدني في دول الشمال الأوروبي، بمنظماته الحقوقية والنقابية والنسوية والشبابية، حليفاً قوياً. دعم هذه المنظمات لتوسيع أنشطتها في التوعية بحقوق الفلسطينيين وتنظيم حملات الضغط السلمية ضروري. يمكن تعزيز التضامن النقابي عبر حث النقابات في الشمال على إدانة التورط الإسرائيلي في انتهاكات حقوق العمال الفلسطينيين وقطع العلاقات مع النقابات الإسرائيلية التي تتواطأ مع الاحتلال. كما يجب دعم حركات المقاطعة الطلابية في الجامعات الشمالية، والتي تشكل قوة ضغط أخلاقية وتؤثر في الرأي العام المستقبلي. تعبئة الفنانين والمثقفين الشماليين للتعبير عن رفضهم لنظام الأبرتهايد عبر أعمالهم وإعلاناتهم العامة يضفي بعداً ثقافياً وإنسانياً قوياً على القضية.
يمثل الضغط الاقتصادي أداة ناعمة لكنها مؤثرة. يمكن التوجه إلى صناديق التقاعد الحكومية والعامة الكبرى في دول الشمال، المعروفة بسياساتها الاستثمارية المسؤولة أخلاقياً، لحثها على سحب استثماراتها من الشركات الإسرائيلية والدولية التي تشارك في انتهاكات جسيمة أو تدعم المستوطنات أو تعزز نظام الأبرتهايد. هذا النوع من الضغط، المستند إلى مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات (ESG)، يكتسب شرعية متزايدة ويمكن أن يوجه رسالة اقتصادية قوية. كما يمكن العمل على تعزيز قوانين ولوائح الشفافية والإبلاغ الإلزامي للشركات الشمالية العاملة في المستوطنات أو مع شركات متورطة في الانتهاكات.
إن قوة دول الشمال الأوروبي تكمن في نفوذها الأخلاقي والتزامها المعلن بحقوق الإنسان والقانون الدولي. تفعيل دورها في مناهضة الأبرتهايد الإسرائيلي يتطلب استراتيجية ناعمة ومتعددة المستويات، تعمل بالتوازي: تعزيز الفهم القائم على الأدلة، الضغط الدبلوماسي المستند إلى المبادئ، تفعيل القوة المحلية عبر البلديات والمجتمع المدني، وحشد الضغط الاقتصادي المسؤول. النجاح في هذه الجهود ليس فقط دفاعاً عن الحقوق الفلسطينية، وإنما هو أيضاً تأكيد على التزام دول الشمال التاريخي بالعدالة والكرامة الإنسانية للجميع، وهو التزام يتطلب تحولاً من الإدانة اللفظية إلى إجراءات ملموسة وفاعلة.
- – نسيم قبها – المجلس المركزي للحملة الأكاديمية لمناهضة الاحتلال والأبرتهايد الإسرائيلي