
هل الفلسطينيون على أعتاب “دولة مستقلة وذات سيادة” ، بقلم : د. علاء سليمان الديك
بعد أن تم تأجيل موعد إنعقاد المؤتمر الدولي للسلام لإنقاذ حل الدولتين في نيويورك في حزيران الماضي بدعوة من السعودية وفرنسا بسبب تفاقم الصراع بين إسرائيل وإيران مؤخراً، أعلنت فرنسا إستعدادها للإعتراف بالدولة الفلسطينية على اساس حل الدولتين وفق القانون الدولي كجزء من الحل السياسي، وبدأ الحديث يدور عن الموعد الجديد لإنعقاد المؤتمر في أواخر يوليو الحالي، في ظل تجاهل أمريكي وإسرائيلي لهذه الخطوة والتقليل من شأنها. ويهدف المؤتمر لإحياء حل الدولتين من جديد، وأن يرتبط التنفيذ بإطار زمني محدد، ووضع آليات دولية لضمان الإستمرارية، وتحديد إلتزامات عملية لكافة الأطراف.
إن الإعتراف الدولي المتزايد بالدولة الفلسطينية أمر جيد للفلسطينيين، ولعل نجاح جهود الدبلوماسية الفلسطينية جاء نتيجة فاعلية نضال وصمود الشعب الفلسطيني بكل مكوناته رغما عن الظروف، الأمر الذي أعاد الإعتبار الإقليمي والدولي للقضية الفلسطينية كعامل محوري لتعزيز الأمن والسلام والإستقرار في منطقة الشرق الأوسط، حيث أصبحت تلك القناعات تدخل الأروقة الأوروبية، الداعمة تاريخياً وحاضراً لإسرائيل، وخاصة بعد إعتراف النرويج وإيرلندا وإسبانيا بالدولة الفلسطينية العام الماضي نتيجة نمو الحركات الإجتماعية والسياسية في العديد من الدول الأوروبية، التي طالبت بضرورة تجسيد حقوق الشعب الفلسطيني المشروعة، وخاصة بعد أحداث وتطورات السابع من أكتوبر 2023.
وأهمية هذا المقال تكمن في الإجابة عن هذا السؤال: هل الساسة الفلسطينيون قادرون على إتخاذ القرار الحازم بإعلان وتجسيد قيام دولة فلسطينية مستقلة وذات سيادة وفقاً للقانون الدولي والإعتراف الفرنسي والبريطاني القادم؟ وترى فرضية المقال أن هذا لم يحصل، فعلى الرغم من التفاؤل الرسمي بالإعتراف الفرنسي والبريطاني بالدولة الفلسطينية لإحياء مبدأ حل الدولتين، والذي يهدف لرسم أفاق وسيناريوهات مستقبل حل القضية الفلسطينية للخروج من الوضع القائم، فإن ذلك مرهون بالتطبيق العملي الذي طال إنتظاره لعقود سواء من الجانب الفلسطيني أو الدولي.
على الصعيد الداخلي، في إختتام أعمال المجلس المركزي الفلسطيني في دورته 28 التي عقدت في يناير 2018 في رام الله، قرر الساسة الفلسطينيون مجتمعين أن الفترة الإنتقالية التي نصت عليها الإتفاقيات الموقعة في أوسلو والقاهرة وواشنطن وما رافقها من إلتزامات لم تعد قائمة، وأنه يجب الإنتقال من سلطة الحكم الذاتي إلى الدولة المستقلة وذات السيادة على حدود الرابع من حزيران عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية تنفيذا لقرارات المجلس الوطني، ووثيقة إعلان الإستقلال علم 1988 وقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة، وقد طلب من اللجنة التنفيذية ومؤسسات الدولة الفلسطينية البدء الفوري بتنفيذ ذلك، ولكن لم يحصل نتيجة ضغوط إقليمية ودولية على الجانب الفلسطيني، ناهيك عن إنعدام الوفاق الوطني العام على ملامح وبرنامج النظام السياسي الفلسطيني المستقبلي، والمتمثل في إضطراد الإنقسام السياسي والجغرافي في فلسطين.
على الصعيد الدولي، إن التفاؤل بالإعتراف الدولي بالدولة الفلسطينية كجزء من الحل السياسي للقضية الفلسطينية وفقاً لمبدأ حل الدولتين أمر جيد، ولكن يلزم ذلك جدية من الأطراف الدولية المعترفة بفلسطين كدولة، بإحترام قراراتها والسعي لحل القضية الفلسطينية بشكل شامل وعادل من خلال وضع آليات عملية لتطبيق القانون الدولي وقراراته ذات الصلة على الأراضي الفلسطينية بهدف حماية الأمن والسلام الدوليين. وكذلك الجاهزية الفلسطينية لإتخاذ القرار الحازم تجاه تجسيد أهداف الشعب الفلسطيني على أرض الواقع بما يتلائم مع قرارات المجلسين المركزي والوطني، وقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة، وعدم الرضوخ للضغوطات الغربية والأمريكية والإسرائيلية. فما زالت غزة محتلة، والضفة والقدس الشرقية محتلة، وأموال الشعب الفلسطيني غير آمنة ومحتجزة، ورغم محاولة الساسة الفلسطينيون إلزام الأطراف المعنية بتوفير شبكة أمان مالية عربية أو إقليمية أو دولية لدعم المؤسسة الفلسطينية للقيام بواجباتها تجاه الشعب الفلسطيني وقطاعاته المختلفة، الا انهم لم ينجحوا بذلك. والجدير بالذكر أن التوجهات العملية لضم الضفة الغربية في إضطراد مستمر بالنسبة لإسرائيل، وهو أكبر تهديد لمبدأ حل الدولتين، علما ان السلطة الفلسطينية بكافة اطيافها غير قادرة على حماية مكونات الدولة ومستقبلها، وبالتالي فإن الإجراءات الأحادية الفعالة من جانب إسرائيل، بدعم أمريكي وتجاهل أوروبي عام، تقوض الحل السياسي الذي تفائل به الساسة الفلسطينيون منذ أكثر من ثلاثون عام، وأكبر دليل ما تشهده فلسطين اليوم.
وعليه، هناك تجاهل أمريكي وغربي لحل القضية الفلسطينية بشكل جذري، وأيضاً غياب للارادة السياسية الفلسطينية لتنفيذ قرارات المجلسين المركزي والوطني على مدار عقود، فمازال الساسة الفلسطينيون يراهنون على الموقف الأمريكي والغربي لحل القضية الفلسطينية وتحقيق أهداف وطموحات الفلسطينيين، وهو حلم لم يتحقق بهؤلاء، وكذلك الرهان على موقف الإتحاد الأوروبي العام، الذي في مجمله داعم لإسرائيل على الرغم من بعض الإعترافات بالدولة الفلسطينية، وهو يلاحظ من خلال التصويت في الأمم المتحدة تجاه بعض القضايا المصيرية المتعلقة بالقضية الفلسطينية، نجد أن معظم الدول الغربية تقف على الحياد أو تتحفظ أو لا تصوت على القرار، فالباطن واضح وهو أهم من الظاهر. وبالتالي على الساسة الفلسطينيون تعويض ذلك بدعم ومساندة مواقف الدول، دبلوماسيا واعلاميا، وهي دول صديقة وصادقة مع الفلسطينيين، وذات بعد إقليمي ودولي فعال مع كل الاطراف الدولية، اكثر من غيرهم، حفاظا على المبدأ ولكسب الجهد والوقت.
في المحصلة، فإن الموقف الفلسطيني هو نواة الحل، الأمر الذي يحتاج للمراجعة الفورية لإتخاذ قرارات حازمة وثابتة بعيدة عن التحليل والمجاملات، بحيث يلبي الإستجابة الفورية لحماية الشعب الفلسطيني وأرضه وقضيته ومؤسساته من السيناريوهات القادمة، والتي أصبحت معالمها واضحة بإتجاه السعي لإنهاء المشروع الوطني وإضعاف مرتكزاته، وأهمها صمود الشعب الفلسطيني وحماية مكتسباته الوطنية، ناهيك عن غياب الوحدة والشراكة الوطنية الفلسطينية وحوكمة المؤسسة الفلسطينية على أسس ديمقراطية سليمة.