
فن اتخاذ القرار ، مهارة العصر التي يحتاجها شبابنا اليوم ، بقلم : د. عمر السلخي
في عالم سريع التغيّر، مليء بالتحديات والفرص، لا يمكن للشباب أن يحققوا طموحاتهم أو يصنعوا مستقبلهم دون امتلاك واحدة من أهم المهارات الحياتية:
مهارة اتخاذ القرار.
إن القدرة على اتخاذ القرار لا تتعلق فقط باختيار تخصص جامعي، أو مشروع تجاري، أو موقف اجتماعي، بل تشمل كل لحظة في الحياة: كيف أتصرف؟ ما هو الخيار الأفضل؟ من أثق به؟ متى أقول “نعم”؟ ومتى أقول “لا”؟
ولأن الحياة لا تنتظر المترددين، فإن النجاح الحقيقي يبدأ من قرار واعٍ، مدروس، وشجاع.
أهمية مهارة اتخاذ القرار للشباب
الشباب في فلسطين والعالم العربي يواجهون ضغوطًا متزايدة:
مستقبل دراسي غامض
فرص عمل محدودة
قضايا اجتماعية متشابكة
ظروف سياسية واقتصادية متقلبة
وفي ظل هذا كله، تبقى القدرة على اتخاذ قرارات سليمة عنصرًا حاسمًا في تحديد مصير الفرد، وتحقيق ذاته، ومواجهة الحياة بثقة.
الشاب الذي يعرف كيف يختار، متى يتراجع، متى يصر، ومتى يُغامر… هو شاب قادر على قيادة حياته، لا أن تقوده الظروف.
منهجية اتخاذ القرار: كيف نختار بشكل مدروس؟
اتخاذ القرار لا يعني الاندفاع أو رد الفعل، بل هو عملية عقلية ومنهجية تمر بعدة خطوات، منها:
تحديد المشكلة أو الموقف
هل المشكلة واضحة؟ هل أفهم أبعادها جيدًا؟
جمع المعلومات والمعطيات
ما هي الخيارات المتاحة؟ ما هي النتائج المحتملة؟ من جرب هذا القرار قبلي؟
تحليل البدائل
ما هي مزايا وسلبيات كل خيار؟ ما هو الخيار الأقرب لقيمي وأهدافي؟
اختيار الأنسب
القرار الأفضل ليس دائمًا الأسهل، بل الأكثر توافقًا مع الواقع والهدف.
تنفيذ القرار بثقة
لا جدوى من القرار دون التزام بتنفيذه.
مراجعة القرار بعد فترة
هل كان قراري صحيحًا؟ ماذا تعلمت منه؟ وهل أحتاج لتعديله؟
طرق اتخاذ القرار: أنماط وأساليب مختلفة
ليس كل الناس يتخذون القرارات بنفس الطريقة، وهناك عدة طرق وأنماط لاتخاذ القرار، منها:
- القرار العقلاني
يعتمد على التحليل والمنطق والمعطيات، وهو الأفضل في القضايا المعقدة.
- القرار الحدسي أو العاطفي
يتخذ بناءً على الإحساس أو التجربة السابقة، وغالبًا ما يكون سريعًا… لكنه غير دقيق دائمًا.
- القرار الجماعي
يتخذ بالتشاور مع الآخرين، ويُناسب القضايا التي تحتاج إلى مشاركة وتوافق.
- القرار القهري أو المأزوم
يتخذ تحت الضغط أو الخوف، وغالبًا ما يكون خطيرًا وغير مدروس.
الشباب الواعي يجب أن يعرف متى يستخدم كل طريقة، وأن يوازن بين العقل والعاطفة، وبين التريث والمبادرة.
كيف نُعلّم الشباب مهارة اتخاذ القرار؟
للأسف، كثير من مدارسنا ومؤسساتنا لا تُدرّس هذه المهارة بشكل منهجي. لكن يمكن بناء هذه المهارة لدى الشباب عبر:
دورات تدريبية وتطبيقات حياتية
في المدارس، الجامعات، والجمعيات الشبابية.
تعزيز الثقة بالنفس وتحمل المسؤولية
فالشاب الذي يخشى الخطأ لن يجرؤ على اتخاذ أي قرار.
تشجيع النقاش والتفكير النقدي
عبر مجموعات الحوار، والأنشطة التفاعلية، والتعلم بالمشكلات.
نماذج حية وملهمة من القادة ورواد الأعمال
قصص من الواقع تُبيّن كيف غيّر قرار شجاع حياة كاملة.
القرار هو ما يصنع الفارق
ليست الحياة بما نملكه من موارد أو ظروف، بل بما نختار أن نفعله بها.
كل قرار صغير… هو حجر في طريق مستقبلك.
فإن أحسنت اتخاذ قراراتك، أحسنت بناء حياتك، وكنت فاعلًا لا تابعًا، مؤثرًا لا متأثرًا.
فلنُعلّم شبابنا أن الحرية تبدأ من الوعي، والوعي يبدأ من القدرة على الاختيار.
فالقرار الجيد اليوم… يصنع القائد القوي غدًا.