1:28 صباحًا / 16 يوليو، 2025
آخر الاخبار

“أتراني أحلم؟”قصة عابرة، لكنها تهزّ يقين الكبار ، تحليل وجداني فلسفي جمالي لنص زهير دعيم ، بقلم: رانية مرجية

"أتراني أحلم؟"قصة عابرة، لكنها تهزّ يقين الكبار ، تحليل وجداني فلسفي جمالي لنص زهير دعيم ، بقلم: رانية مرجية

“أتراني أحلم؟”قصة عابرة، لكنها تهزّ يقين الكبار ، تحليل وجداني فلسفي جمالي لنص زهير دعيم ، بقلم: رانية مرجية

حين تتحوّل لحظة عابرة على الطريق إلى مرآة للذات، ندرك أن القصة ليست مجرد سرد، بل صرخة وجدانية تتوارى خلف البساطة. هذا ما يفعله زهير دعيم ببراعة شديدة في قصته “أتراني أحلم؟”، حيث تتسلل إلينا القيم الكبرى — الكرامة، المسؤولية، البراءة، الفقد — عبر مشهد صغير ظاهريًا، لكنه عميق إنسانيًا، فلسفيًا وجماليًا.

مشهد يومي… يختزن دهشة كاملة

في القصة، يقود الراوي سيارته بهدوء، كما يفعل عادة في أيام الصيف حيث يحتل الأطفال الشوارع بلعبهم ومرحهم. يتدحرج أمامه “طابة ملوّنة”، ويعرف غريزيًا أن هناك طفلًا خلفها، فيحاول تفاديها… لكنه يفشل، وتُهرَس الطابة تحت العجلات.

هكذا تبدأ الحكاية: حدث بسيط، لكن الكاتب يسلّط الضوء على الجانب الإنساني لا الميكانيكي، وعلى رد الفعل النفسي لا الفيزيائي. فهنا تتجاوز القصة مجرد واقعة عرضية لتغدو مساحة تأمل في كيف نعيش الفقد، وكيف نواجه المسؤولية، وكيف نحزن… بكبرياء.

الطفل الذي ربّى الرجل

في قلب القصة يقف طفل صغير، أشقر الشعر، ليليّ العينين، يُجسّد ببراءته حكمة خالدة. لا يصرخ، لا يطلب، لا يبتزّ الشفقة. فقط يحتضن طابته المهروسة، يبكي، ويرفض عرض الراوي بشراء أخرى بديلة. يقول بهدوء يكاد يُرعبنا: “أنا السبب، لا دخل لك في هذا”.

في لحظة واحدة، تنقلب الأدوار: الطفل يصبح معلمًا، والراوي – رجل ناضج، سائق، صاحب نية طيبة – يصبح تلميذًا أمام هذا الدرس العظيم في تحمّل المسؤولية. وبهذا، تأخذ القصة بعدها الفلسفي الأصيل: هل الطفل أكثر وعيًا منا بالمعنى الحقيقي للملكية، للخسارة، للكرامة؟ وهل نحن الكبار ما زلنا نملك قدرة الرفض النبيل؟ أم أننا تآلفنا مع منطق الاستبدال السهل؟ مع “التعويض” كمخدر أخلاقي؟

البعد الجمالي: بساطة السرد وصدق المشاعر

جمال النص لا يتأتّى من تعقيد لغوي ولا من حبكة درامية مشوّقة، بل من تلك البساطة التي تتيح للصدق أن يتكلم. القصة لا تزايد ولا تعظ، بل تعرض المشهد كما هو: طفل حزين، رجل عاجز، طابة ملوّنة مهروسة. وهذا التجريد — أو لنقل: التركيز — يسمح للقارئ أن يملأ الفراغات النفسية بنفسه.

هناك مشهدية سينمائية ضمنية: السيارة، الطابة، الطفل، الراوي الذي يصفّق له بعد أن غادر. كأننا نشاهد فيلمًا صامتًا لا يحتاج إلى كلمات كثيرة، لأن كل شيء فيه مفهوم شعوريًا لا منطقيًا.

“أتراني أحلم؟” — سؤال الكاتب وسؤالنا جميعًا

في نهاية القصة، يحتفظ الراوي بطابة جديدة في سيارته “لعلّه يصادف ذلك الطفل مجددًا”. لكنه لا يختم القصة بنقطة، بل بسؤال: “أتراني أحلم؟” وهو سؤال فلسفي شفاف، لا يطلب إجابة بل يدعونا للتفكّر:

هل نحلم بطفولة لم تعد موجودة؟
أم نحلم بمجتمع لا يزال يحتفي بالقيم الأصيلة؟
أم نحلم فقط بفرصة ثانية لنُصلح ما أفسدناه، أو لنعيد تقديم ما عجزنا عن منحه في اللحظة المناسبة؟

خاتمة: كبرياء الطفولة هو أعظم تجلٍّ للإنسانية

قصة “أتراني أحلم؟” تضعنا أمام مشهد صغير، لكنه كاشف. إنها تذكير ناعم بأن الجمال لا يحتاج إلى زينة، وأن القيم الحقيقية تظهر دون تصريح. طفل صغير رفض الطابة الجديدة لأن الكرامة لديه أثمن من التعويض. ألا يستحق هذا الطفل أن نُصفّق له؟ بل أن نُربّي أنفسنا من جديد على يديه؟

شاهد أيضاً

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

رئيس مجلس الدولة الصيني يدعو الصين وأستراليا لخلق تضافر أقوى من أجل التنمية

شفا – دعا رئيس مجلس الدولة الصيني لي تشيانغ ، الصين وأستراليا إلى تقوية التعاون …