
تبرير الجريمة: حين تنطق الإمبريالية بلسان الوحش ، بقلم : محمد علوش
في هذا العالم المتخم بالأكاذيب، لا شيء أكثر فظاعة من أن تُغلف الجريمة بثوب الفضيلة، وأن تُنشد الإبادة على مسارح العدالة الدولية، وسط تصفيق العواصم الكبرى.
إنه زمن العقلية الإمبريالية المتوحشة، التي لا تقتل فقط، بل تبرّر القتل، وتُدرّسه، وتُحوّله إلى قانون، وتلك العقلية التي تقف على جماجم الشعوب، ثم ترفع بوق الأخلاق فوق أنقاض مدن أُحرقت، وتكتب في مقرراتها أن الدم إذا لم يكن “أبيضاً” فلا بأس بانسكابه.
هي عقلية لا ترى في الشعوب إلا أدوات، وفي الخرائط إلا فرصاً، وفي الأجساد إلا وقوداً لمطامع لا تشبع، تُفكّك الدول كما تُفكك الألعاب القديمة، وتعيد تركيبها وفق مزاجها، ثم تلقي اللوم على الضحية لأنها صرخت، أو قاومت، أو أرادت الحياة.
يحدث في فلسطين، أن يباد شعب، لا برصاصة واحدة، بل بألف طريقة، بالجوع، بالحصار، بالترويع، بتشويه التاريخ، وبقتل الأطفال على مرأى العالم، ثم يخرج ممثل الإمبراطورية ليقول: “إنه الدفاع عن النفس”، أو “إنها عملية معقدة تستهدف الإرهابيين”، أو “المدنيون دروع بشرية”، فأيُّ مسرح هذا الذي يكتب فيه نص الإبادة بلغة الدبلوماسية؟
هؤلاء لا يقتلون فقط، بل يعلّمونك كيف تُبرّر القتل، كيف تُبيّض الدماء بالكلمات، وتُصنّف الضحية مجرماً لمجرد أنه تنفس تحت القصف، والإمبريالية الجديدة لا تأتي بخيول ودبابات فقط، بل تأتي محمولة على شاشات، وتقارير، ومؤتمرات صحفية تُهندس الجريمة وتُجمّلها.
ليست الوحشية في الفعل وحده، بل في اللامبالاة بعده، في المؤتمرات التي تُعقد على رماد البيوت، في الاجتماعات العاجلة التي تنتهي بتوصيات باهتة، في اللجان التي تُدقق في كل شيء، عدا الحقيقة.
لقد أصبح من السهل جداً في هذا العصر أن تُباد أمة كاملة تحت أعين العالم، بشرط أن يكون القاتل صاحب حقّ النقض، أو حليفاً له، يكفي أن تُوقّع الجريمة بختم “التحالف”، أو أن تُرفقها بتغريدة تُدين “العنف من الطرفين”، حتى تُمحى من الذاكرة.
أي منطق هذا الذي يجعل الطفل الفلسطيني هدفاً مشروعاً، والمستوطن الغازي مدنياً يُرثى له، وأي عقلٍ هذا الذي يُكافئ الاحتلال بالعتاد، ويُعاقب المُحاصر لأنه صرخ، إنها، ولا ريب، العقلية الإمبريالية ذاتها التي أباحت إفريقيا، وسرقت الهند، وقسمت الوطن العربي ككعكة في مأدبة قذرة.
لكن للتاريخ عيناً لا تنام، وللأرض ذاكرة لا تمحى، وما يُرتكب اليوم من مجازر مبررة ومذابح مؤطرة بالقانون المصنوع على المقاس، سيُحاكم غداً ولو على صفحات الغيم، لأن الحق لا يُقتل، حتى لو اغتاله ألف تبرير.