
الجيل الشاب في محافظة سلفيت ، بين التحديات والفرص في منطقة محاصرة ، بقلم: د. عمر السلخي
في محافظة سلفيت، التي تتوسط خارطة الضفة الغربية وتقبع تحت وطأة الاستيطان والجدار والإغلاق، ينهض جيل شاب محاصر بالواقع ومفتوح الأفق في ذات الوقت، جيلٌ يتحدى بذكائه وإصراره كل العراقيل المفروضة عليه من الاحتلال والسياسات الجائرة، ليبقى الأمل حيًا رغم قتامة المشهد.
بين الجغرافيا والسياسة
محافظة سلفيت هي الأصغر مساحةً، لكنها الاكثر مواجهة للتحديات، إذ تحاصرها المستوطنات من كل اتجاه، وتُقطع أوصال بلداتها وقراها بالحواجز العسكرية والبوابات وتُحاصر أحلام شبابها بالجدران الإسمنتية والسياسات العنصرية، كل ذلك جعل من أبسط الحقوق – كحرية التنقل، أو الوصول إلى الجامعات، أو حتى التنفس في فضاءٍ حر – ترفًا بعيد المنال.
جيلٌ يتسلّح بالعلم
رغم التضييق، لم يتخلَّ شباب محافظة سلفيت عن طموحاتهم ، فنجد طلابًا يتفوقون في امتحانات الثانوية العامة، ويتسلحون بالتعليم كوسيلة لمجابهة واقعهم، كثيرٌ منهم التحقوا بكليات الطب والهندسة والتكنولوجيا، فيما توجّه آخرون نحو التخصصات الإنسانية، إيمانًا بدورهم التنويري في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ شعبهم ، يتنقل الطلبة من قراهم وبلداتهم إلى نابلس ورام الله وطولكرم لساعات طوال عبر الحواجز والطرق الالتفافيه مؤمنين انه بالعلم نبني الوطن.
ريادة في ظروف قاهرة
أطلق عدد من الشباب مشاريع ريادية صغيرة رغم شُحّ الإمكانات، مستخدمين منصات التواصل والتسويق الرقمي لتجاوز الجغرافيا القاسية ، من مشاغل الخياطة والمناظر والمناجد إلى التطبيقات الذكية، يثبت هذا الجيل أن الحصار لا يقهر الإرادة، وهناك مبادرات شبابية تطوعية باتت تلعب دورًا مهمًا في تخفيف الأزمات من خلال فرق المتطوعين للهلال اللحمر والدفاع المدني ، وتقديم الدعم النفسي والاجتماعي للأهالي، خاصة في أوقات الطوارئ.
الإبداع الثقافي والمقاومة الناعمة
الفن، الموسيقى، الكتابة، والرسم… كلها باتت أدوات مقاومة ناعمة بيد شباب محافظة سلفيت ، فالموهوبون يوثقون معاناة بلدتهم بالرسم أو بالعدسة أو بالكلمة، وتبرز أسماء شبابية لامعة في ميادين الشعر والمسرح والإعلام، تعكس حجم الطاقات المكبوتة التي تبحث عن فضاءٍ حرٍ لتتنفس.
منصات التواصل كمساحات بديلة للحرية
يستخدم شباب محافظة سلفيت وسائل التواصل الاجتماعي ليس فقط للتسلية، بل للتعبير عن آرائهم، وتنظيم المبادرات، والتعريف بحاله الطرق والحواجز والبوابات وتوفر الوقود ، وكشف الجرائم التي يرتكبها الاحتلال ،كثيرًا ما تُوثّق الاعتداءات عبر هواتفهم، وتنقل للعالم عبر “الستوري” والبث المباشر .
وقد أسس بعضهم صفحات إلكترونية لبلداتهم، يروون من خلالها الحكايات الشعبية، ويوثقون التراث، ويربطون الجيل الجديد بجذوره
الحاجة إلى دعم فعلي
لكن كل هذا لا يُخفي حاجة الشباب إلى دعمٍ ملموس من المؤسسات الرسمية والأهلية، من خلال برامج تمكين اقتصادي، ومراكز إبداع، وفتح آفاق التعليم الخارجي، وتوفير شبكة أمان اجتماعي. فاستثمار الطاقات الشابة هو المدخل الحقيقي لصمود المجتمع في وجه الاحتلال ومخططاته.
في محافظة سلفيت، لا ينام الشباب على جراحهم، هم الجدار الأخير في وجه محو المكان والذاكرة، وهم الحالمون بالغد مهما ضاق الحصار ، وبين التحديات الجسيمة والفرص القليلة، يولد الأمل مع كل فكرة، ويكبر مع كل محاولة ، فجيل محافظة سلفيت الشاب لم يرفع الراية البيضاء، بل يرفع صوته عاليًا: “نحن هنا، وسنبقى”.