
زيارة قائد الجيش الباكستاني لواشنطن: رسائل استراتيجية بين التصعيد والاصطفاف، بقلم : علاء عاشور
في خضم الحرب الإسرائيلية – الأمريكية المعلنة على إيران، وما تحمله من تداعيات إقليمية خطيرة، تبرز زيارة قائد الجيش الباكستاني إلى الولايات المتحدة، ولقاؤه بالرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كحدث مفصلي يثير العديد من التساؤلات ويبعث على التأمل في خفايا المشهد الجيوسياسي المتسارع.
فهل جاءت هذه الزيارة لتسجيل موقف باكستاني واضح من الحرب، وتحذير واشنطن من مغبة أي تدخل أمريكي مباشر قد يهدد الأمن القومي الباكستاني ويجرّ المنطقة إلى فوضى شاملة؟ أم أن قائد الجيش الباكستاني حمل في جعبته رسائل إيرانية غير معلنة، تعكس تنسيقًا ضمنيًا أو تفاهمات تحت الطاولة بين إسلام آباد وطهران؟ أم أن باكستان، وهي الحليف التاريخي للصين، تسعى لتمثيل دور الوسيط في ظل تصعيد قد يؤدي إلى حرب كونية شاملة؟
إن زيارة بهذا المستوى، وفي توقيت بالغ الحساسية، لا يمكن قراءتها بمعزل عن تطورات المشهد الإقليمي، لا سيما أن باكستان تُعد رقماً صعباً في معادلة الأمن الآسيوي، وتمتلك حدوداً مشتركة مع إيران وأفغانستان، وتربطها علاقات شائكة بالهند، كما أنها تحت مظلة تنسيق استراتيجي عميق مع الصين. فالصين، الحليف الأقرب لباكستان، تراقب بقلق بالغ ما يجري في الخليج، وهي تدرك أن أي تصعيد عسكري شامل سيهدد مصالحها الاقتصادية ومشروع “الحزام والطريق”، وستكون ممرات الطاقة في مهبّ الخطر.
من جهة أخرى، لا يُستبعد أن تكون زيارة القائد العسكري تهدف أيضًا إلى استكشاف حدود التفاهم مع واشنطن، والضغط لعدم استغلال الأراضي الباكستانية أو الأجواء الجوية ضمن أي عمل عسكري موجه ضد إيران. فإسلام آباد – وإن لم تعلن موقفًا واضحًا – لا يمكنها تحمّل تبعات التورط في حرب بالوكالة، خصوصاً بعد عقود من عدم الاستقرار الداخلي والصراع مع الإرهاب، ما يجعل أي انخراط عسكري محتمل كارثة أمنية على الداخل الباكستاني.
وفي ظل التصعيد الحاصل صباح اليوم بين إيران وإسرائيل، واشتداد حدة المواجهات، لا يمكن تجاهل الرسائل الساخنة المتبادلة بين طهران وتل أبيب، والتي تجاوزت مرحلة التهديدات اللفظية إلى الميدان العسكري المباشر. فهل نحن أمام خطوات تصعيدية ستفضي في نهاية المطاف إلى تفاهمات و”توازنات رعب” جديدة تُعيد رسم خطوط النفوذ في المنطقة؟ أم أن المنطقة تسير بثبات نحو حافة هاوية حرب كونية جديدة، تشترك فيها قوى إقليمية ودولية، وتغير وجه العالم كما نعرفه؟
إن ما يجري خلف الكواليس قد يفوق ما يظهر في العلن. فالتاريخ يخبرنا أن الزيارات العسكرية، خصوصًا في أزمنة التوتر، لا تُقاس فقط بطبيعة اللقاءات التي تُعقد، بل بالرسائل التي تُحمّل، وبالتحركات التالية التي تصدر عن الأطراف المعنية.
وفي الختام، تبقى المنطقة على صفيح ساخن، تتأرجح بين انفراجة سياسية محتملة، أو انفجار شامل قد يعيد تشكيل خارطة التحالفات والمصالح من جديد. ولعل زيارة قائد الجيش الباكستاني ما هي إلا إحدى حلقات هذه المعادلة المعقدة التي لم تقل كلمتها الأخيرة بعد.