
النكبة البيئية الصامتة: كيف تفتك المستوطنات الإسرائيلية بطبيعة محافظة سلفيت ؟ بقلم : د. عمر السلخي
بينما تغفو محافظة سلفيت على خُضرة جبالها وأحلام مزارعيها، تصحو كل يوم على جريمة جديدة ترتكبها آلة الاستيطان الإسرائيلية، ليس فقط بحق الأرض والإنسان، بل بحق البيئة، والماء، والحياة ذاتها، ما يجري في محافظة سلفيت لا يُختزل في عناوين السياسة، بل يتعداها إلى كارثة بيئية مكتملة الأركان… صامتة أحيانًا، خانقة غالبًا.
الأرض… تُنهب وتُجتثّ
لا تُعد محافظة سلفيت الأغنى بالموارد الطبيعية ولكن وفرة المياه والموقع الاستراتيجي الرابط ومحاذاتها للخط الاخضر وقله الكثافة السكانية ، جعلها الأكثر استهدافًا بالمشاريع الاستيطانية، ومنذ التسعينيات، لم تهدأ شهيّة الاحتلال عن التهام تلالها وجبالها وحقولها ، من خلال ٢٤ مستوطنة جاثمه على اراضيها و١٠ بؤر استيطانيه وطرق التفافيه وجدار الفصل العنصري، مع كل توسعة استيطانية، تُقتلع أشجار الزيتون، تُجرف الحقول، ويُمنع المزارعون من الوصول إلى أراضيهم، تحت حجج أمنية أو أوامر عسكرية. الغطاء النباتي يتآكل، والتربة تفقد خصوبتها، بينما يواصل المستوطن حفرياته فوق جراح الجغرافيا.
مجاري المستوطنات… تسقي الموت
من يقترب من وادي المطوي أو وادي قانا، لا يرى مشهدًا طبيعيًا كما كان في السابق، بل يواجه أنهارًا سوداء من مياه الصرف الصحي القادمة من المستوطنات، لا محطات تنقية، ولا رقابة، فقط نفايات بشرية وصناعية تُسكب على أراضٍ وينابيع كان الناس يشربون منها ويسقون مزارعهم.
النتيجة؟ ينابيع ملوثة، حيوانات نافقة، ورائحة تزكم أنوف أهالي بلدات مثل كفر الديك، دير بلوط وبروقين. في صيف كل عام، تتحول الحياة هناك إلى جحيم بيئي.
مصانع بركان وارئيل الصناعية… مناجم موت
في المنطقة الصناعية الاستيطانية “بركان”، وارئيل الغربية تقف عشرات المصانع الإسرائيلية التي تُنتج السموم بصيغ متعددة: كيماويات، معادن، بلاستيك. هذه المصانع لا تتقيد بأي رقابة محلية أو دولية، نفاياتها تُدفن في الأراضي المجاورة أو تُحرق في الهواء الطلق.
سكان المناطق المحاذية يشكون من أمراض جلدية، أزمات تنفسية، وتراجع المحاصيل. بينما تتغنى إسرائيل بالتكنولوجيا، تزرع في قلب فلسطين أخطر أشكال التلوث.
الحياة البرية… تنقرض بصمت
كانت جبال سلفيت مأوى للغزلان، الحجل، والوبر. اليوم، اختفت معظم هذه الأنواع، لا مكان للبرّية وسط شق الطرق، قطع الأشجار، وتوسع المستوطنات، الغابات المقطعة والمراعي المحاصرة فقدت توازنها، ولم تعد صالحة للحياة.
حتى وادي قانا، المحمية الطبيعية الأشهر في فلسطين، لم يسلم من الجرافات والجدران الإسمنتية التي شطرته إلى نصفين، واعتلت الجبال من حوله الأسقف القرميديه الدخيله على الطبيعه ومخلفات الصرف الصحي ل ٧ مستوطنات تلقيها في المحميه الطبيعية الغير محمية من سرطان الاستيطان.
الاحتلال يُعسكر المناخ
نعم، حتى المناخ يتأثر بالاستيطان، إزالة الغطاء الأخضر، وزيادة البناء الإسمنتي، والتلوث المستمر، تسببت بارتفاع الحرارة في بعض المناطق وتغيّر في معدلات هطول الأمطار.
في بلد يعتمد على الزراعة المطرية، فإن هذا التغير المناخي المحلي يُعد كارثة طويلة الأمد لا يُستهان بها، فنسبة الأمطار لهذا العام بلغت ٤٦% مقارنة مع العام الماضي.
من يوقف هذه الجريمة؟
رغم وجود عشرات الاتفاقيات الدولية التي تحظر التدمير البيئي في الأراضي المحتلة، مثل اتفاقية جنيف واتفاقية ريو للبيئة، لا شيء يُطبق فعليًا على أرض محافظة سلفيت. المجتمع الدولي صامت، والمستوطنات وبدعم ورعاية من الحكومة الإسرائيلية المتطرفه تستمر في فرض وقائع استعمارية على حساب الطبيعة.
محامون فلسطينيون حاولوا مرارًا تقديم شكاوى قانونية، لكن منظومة الاحتلال تحمي مستوطنيه ولو على حساب الحياة.
المقاومة بالزيتون والماء
ورغم كل ذلك، لم يستسلم أهالي محافظة سلفيت، عادوا إلى أراضيهم في أيام “قطف الزيتون” رغم التهديدات، أطلقوا مبادرات لزراعة الأشجار، وتوثيق الجرائم البيئية بالكاميرات، وأقاموا حملات بيئية طلابية للتوعية والمطالبة بحقوقهم.
هي مقاومة من نوع آخر… مقاومة تدافع عن الطبيعة، وتُعيد الاعتبار للأرض بصفتها شريكًا في المعركة، لا مجرد ضحية.
لا مبالغة في القول إن الاستيطان في محافظة سلفيت ليس مشروعًا سياسيًا فقط، بل احتلالٌ بيئيٌ شامل. وإن لم يتم تدارك ما يحدث اليوم، فقد نصحو قريبًا على محافظة لا ماء فيها، لا شجر، ولا هواء يمكن تنفسه.