
العمل التطوعي في فلسطين ، رافعة صمود وضرورة وجودية في زمن الحصار: نموذج سلفيت ، بقلم: د. عمر السلخي
في ظل ما تتعرض له محافظة سلفيت من حصار خانق، وتحول مداخلها إلى بوابات حديدية مغلقة، وتناقص الإمدادات الأساسية من وقود ومواد غذائية وبناء، وتقييد حركة المرضى والطلبة والموظفين، يتجدد الحديث عن أهمية العمل التطوعي كرافعة وطنية وإنسانية لمواجهة هذا الواقع الطارئ. إن هذه الأزمة ليست الأولى التي تمر بها محافظة سلفيت، لكنها تبرز اليوم كواحدة من أشدّ حلقات الحصار تعقيدًا وخطورة.
ففي هذه اللحظات الحرجة، يستعيد المواطن الفلسطيني جوهر ثقافة “العونة” القديمة، عندما كان أهل القرية يتنادون لزراعة أرض أحدهم أو بناء بيته، دون مقابل سوى قيم التآزر والتكافل. واليوم، يعيد التاريخ نفسه، ولكن في صورة جديدة من العمل التطوعي الممنهج الذي يستدعي الوعي والتخطيط والتشبيك بين الفاعلين المحليين.
من العونة إلى لجان الصمود
تشير الدراسات الحديثة إلى أن العمل التطوعي في فلسطين لم يكن يومًا مجرد نشاط خدماتي، بل كان دومًا مرتبطًا بالتحرر الوطني والصمود، كما حدث في الانتفاضات السابقة، عندما لعبت لجان العمل التطوعي أدوارًا محورية في الرعاية الصحية والتعليم وتوزيع الغذاء في المناطق المحاصرة والمهمشة. ومحافظة سلفيت، التي تواجه اليوم خطر “الكنتنة” والتفتيت الجغرافي، بحاجة إلى استعادة هذه الروح التطوعية الجماعية وتفعيلها كجزء من استراتيجية الطوارئ.
فجوة النوايا والممارسة
رغم أن 91% من الشباب الفلسطينيين يعبرون عن استعدادهم للمشاركة في العمل التطوعي، فإن من يشارك فعليًا لا يتجاوز 27%. وهذه الفجوة المقلقة تنسحب أيضًا على محافظة سلفيت، حيث تشير متابعات ميدانية إلى غياب واضح للأطر المنظمة والاعتراف الرسمي بجهود المتطوعين، إضافة إلى نقص الحوافز والاحتضان المؤسسي.
إن هذا التراجع لا يعكس عزوفًا فرديًا بقدر ما يكشف عن أزمة ثقة وهيكلية في البنية الحاضنة للعمل التطوعي، وهي بنية بحاجة اليوم لإعادة تعريف وهوية واضحة وممكنات استدامة.
محافظة سلفيت: فرصة لاستعادة النموذج النضالي للعمل التطوعي
إن ما تمر به محافظة سلفيت من حصار خانق، يفرض على كافة الأطراف — الرسمية والمجتمعية — مراجعة شاملة لدور العمل التطوعي. فالتحديات التي تواجهها المحافظة تتجاوز قدرة أي مؤسسة واحدة، ما يفتح المجال لتفعيل التطوع كأداة استراتيجية في:
توصيل الدواء والطعام إلى المناطق المحاصرة.
تقديم الدعم النفسي والتعليمي والترفيهي للأطفال.
تشغيل لجان شعبية لتعبئة الاحتياجات المجتمعية.
تنظيم حركة تنقل للطلبة والعمال والمرضى في ظل الإغلاقات.
صيانة خطوط المياه والكهرباء في ظل تقطع الخدمات.
وقد شهدنا بالفعل مبادرات شبابية في محافظة سلفيت خلال جائحة كورونا، مثل “حواجز المحبة” و”مجموعات الطوارئ الشبابية”وبالتعاون مع المحافظة والمؤسسه الأمنية والرسمية والهيئات المحلية والتي قدمت نموذجًا ملهمًا يمكن البناء عليه الآن.
توصيات نحو عمل تطوعي نضالي ومستدام
لإعادة الاعتبار للعمل التطوعي وربطها بجذوره الثقافية والهوية الوطنية ، نوصي بالآتي:
إقرار قانون وطني للعمل التطوعي يعترف بالمتطوعين ويحميهم ويشجع مشاركتهم في خطط الطوارئ والتنمية.
إنشاء قاعدة بيانات رقمية تنظم وتنسق الجهود التطوعية على مستوى محافظة سلفيت وربطها بالمستوى الوطني.
دمج العمل التطوعي في المناهج التعليمية كمكون أساسي في التربية الوطنية.
ضمان الحوافز المعنوية والمادية للمتطوعين من خلال الشهادات، المنح، والتكريم المجتمعي.
تعزيز التعاون بين الهيئات المحلية في محافظة سلفيت ومؤسساتها الأهلية في إطار وحدة طوارئ تطوعية.
التطوع ليس رفاهية
في زمن الحصار، لا يمكن اعتبار التطوع ترفًا أو نشاطًا جانبيًا، إنه فعل نضال وتعزيز للصمود، وأداة حماية جماعية، ومصدر كرامة مجتمعية. وإذا كانت محافظة سلفيت اليوم تعاني من العزلة، فإن بوابة كسر هذا الحصار تبدأ من الداخل… من استنهاض الروح التطوعية الأصيلة، وتحويلها إلى فعل يومي منظم، يحمي الأرض والناس والهوية.