
سلفيت تحت الحصار: محافظة تُخنق بين فكي الحرب والاحتلال ، بقلم : د. عمر السلخي
في قلب الضفة الغربية، تعيش محافظة سلفيت هذه الأيام واقعًا أشبه بجبهة حرب، وسط إغلاق خانق لمداخل البلدات والقرى، وتقطيع أوصال التجمعات الفلسطينية وتحويلها إلى كنتونات معزولة، تقف عاجزة أمام آلة احتلال لا تعرف الرحمة، تمارس الاغلاق والهدم والتجويع والتقييد على كل مقومات الحياة.
حصار من كل الجهات
منذ تصاعد التوتر في المنطقة بفعل الحرب الإسرائيلية الإيرانية وما تبعها من اضطرابات أمنية، دخلت محافظة سلفيت في نفق مظلم ، فقد أغلقت قوات الاحتلال جميع مداخل المحافظة، ولم يعد الخروج منها أو الدخول إليها أمرًا يسيرًا، بل هو معركة بحد ذاتها. هذا الحصار المشدد جعل من كل بلدة جزيرة معزولة، وقطع سبل التواصل الطبيعي بين القرى ومركز المحافظة والمراكز الحيوية للمحافظات الاخرى.
أزمة وقود خانقة
النتيجة المباشرة لهذا الحصار كانت أزمة خانقة في الوقود، حيث نفدت المواد البترولية من غالبية المحطات، وتحوّلت القطرات المتبقية إلى سلعة نادرة تضطر للانتظار في طابور متداخل لساعات لتعبيء ب ٥٠ شيقل فقط وقد لا تستطيع لانه الكميه تكون قد نفذت. توقفت سيارات الإسعاف، وتراجعت حركة النقل، وباتت حياة المواطنين اليومية على المحك.
الموت على أبواب المستشفيات
أصعب صور هذه المعاناة تظهر في عدم قدرة المرضى، وخصوصًا أصحاب الحالات المزمنة والمستعجلة، على الوصول إلى المستشفى الوحيد في مدينة سلفيت وهو مستشفى الشهيد ياسر عرفات هذه معاناة امراض غسيل الكلي الذين هم بحاجه للوصول الى المشفى ٣ مرات اسبوعيا او من ينتظر موعد عمليته منذ شهور . الطرق مغلقة، والحواجز تعيق الحركة، والمستشفيات لا تقدر أن تصل إلى المرضى، ولا هم يقدرون على الوصول إليها. في زمن الحرب، أصبح المرض موتًا مؤجلًا.
نقص حاد في المواد الأساسية
لم تسلم الأسواق من هذا الحصار، فقد تناقصت كميات الخضار والفواكه والمواد التموينية بسبب الصعوبات الكبيرة في النقل، إذ تُضطر الشاحنات إلى التوقف على الحواجز، وتُفرّغ حمولاتها لشاحنات أخرى، مما يرفع من تكاليف النقل والسلع. أما مواد البناء، فتكاد تختفي من السوق، مما يجمّد أي مشاريع تطويرية أو بناء.
طلاب الثانوية العامة… ضحايا الظرف
في هذا الجو المشحون، يقف طلبة الثانوية العامة – “التوجيهي” – في مواجهة مستقبلهم وسط قلق مضاعف. لا فقط من الامتحانات، بل من كيفية الوصول إلى قاعات الامتحان، ومن توتر الأوضاع الأمنية، ومن القبة الحديدية التي تطلق صواريخها على مناطقهم، ومن الضغوط النفسية الهائلة. المعلمون والمراقبون أنفسهم يجدون صعوبة في التنقل، وتأمين توزيع الأسئلة بات عملية أمنية معقدة.
السفر ممنوع والمستقبل معلق
حرية الحركة خارج المحافظة أصبحت حلمًا، مئات الطلبة والعاملين وأصحاب الأعمال تقطعت بهم السبل، ومنعوا من السفر سواء عبر الجسور أو إلى المدن الأخرى. بعضهم فقد فرص عمل، وبعض الطلبة لم يتمكنوا من الالتحاق بجامعاتهم أو امتحاناتهم العملية.
المستوطنون… المستفيد الأكبر
وسط كل هذا الخراب، يطلّ الاستيطان برأسه ليواصل زحفه على حساب اراضي الفلسطينيين . مستوطنو “أريئيل” و”بروخين” و”ياكير” وغيرهم وجدوا في الأزمة فرصة سانحة للتوسع، فواصلوا شقّ الطرق، واقتلاع الأشجار، ونهب الأراضي، بل وزادوا من هجماتهم على المزارعين والبيوت المعزولة. وكذلك تُوزّع إنذارات وقف البناء على الفلسطينيين، وتُهدم غرفهم الزراعية، في محاولة مستمرة لفرض وقائع جديدة.
القبة الحديدية… خطر يهدد حياة الفلسطينيين
مفارقة أخرى، هي أن صواريخ القبة الحديدية التي تُطلق من المستوطنات او من الداخل المحتل لاعتراض الصواريخ ، تسقط شظاياها القاتلة في قلب البلدات الفلسطينية، مسببة أضرارًا مادية مباشرة لمنازل المواطنين في كفر الديك وبروقين وكفر حارس وسلفيت وغيرها. أضرارٌ وثّقتها المؤسسات المحلية، دون أن يلتفت العالم إليها.
كلمة أخيرة
سلفيت اليوم ليست مجرد محافظة فلسطينية تحت الحصار، بل هي صورة مكثفة لمعاناة كل الشعب الفلسطيني. إنها تمثل قرية فلسطينية واحدة محاصرة من الخارج بجدران الاحتلال، ومن الداخل بأزمات مركبة. ومع ذلك، فإن أهلها كما عهدناهم، يصنعون من الألم عزيمة، ومن الحصار فرصة للتكاتف، ومن الظلم وقودًا للنضال والصمود.
في زمن الحروب، يكون السكون موتًا، والكلمة سلاحًا، فلنقلها بوضوح: محافظة سلفيت تنزف ، فهل من مغيث؟