9:08 مساءً / 16 يونيو، 2025
آخر الاخبار

تقرير : من حرب إلى أخرى.. مستقبل إسرائيل في مأزق دائم

شفا – على امتداد العام والنصف الماضيين، أخذت التطورات في الشرق الأوسط تكشف مدى هشاشة المشروع الإسرائيلي، ليس فقط في محيطه الجغرافي، بل في منظومته السياسية والاستراتيجية.

وقالت صحيفة الغارديان البريطانية إنه بينما قد يرى البعض في رد الاحتلال الإسرائيلي على هجوم 7 أكتوبر قطيعة حاسمة مع الماضي، فإن الواقع يُظهر مسارًا تصاعديًا من الأزمات، بحيث فقدت دولة الاحتلال السيطرة على قواعد الاشتباك، واندفعت في مغامرات عسكرية متتالية أخرجتها من طور “الدفاع” إلى موقع الدولة التي تشعل الحروب دون مخرج.

وذكرت الصحيفة أنه ما يُروَّج له على أنه “تفوق جوي” في سماء إيران، أو “إعادة ردع” في غزة وجنوب لبنان، لا يُخفي حقيقة أن دولة الاحتلال تتحرك في بيئة إقليمية متآكلة الثقة بها، بل ومحتقنة ضدها.

فالإبادة الجماعية التي ترتكبها في غزة، والغارات المستمرة على سوريا، واحتلالها لمناطق جنوب لبنان، ليست إنجازات بل تعبير فج عن العجز في بناء علاقات مستدامة أو فرض استقرار طويل الأمد.

خسارة العمق الاستراتيجي

بحسب صحيفة الغارديان فإن إحدى ركائز ما يسمى “السلام الإقليمي” كان الدور الخليجي كوسيط يسعى لتجنب الصدام، لا من منطلق القناعة، بل لحاجة براغماتية إلى الاستقرار.

أما الآن، وبعد أن وجدت دول التطبيع نفسها عالقة بين الاحتلال الإيراني والهجمات الإسرائيلية، أصبح هذا الدور معرضًا للانهيار، في وقت تخسر فيه دولة الاحتلال عمقها الاستراتيجي شيئًا فشيئًا.

والاندفاعة نحو التطبيع لم تكن منسجمة مع نبض الشارع العربي، والنتيجة أن تلك الأنظمة المطبعة باتت تتهرب من التزاماتها تحت ضغط الرأي العام.

أما “تحييد” القضية الفلسطينية، الذي ظنّت دولة الاحتلال أنه تحقق، فقد انهار مع لحظة الهجوم على غزة. فالمقاومة أعادت تعريف موازين الصراع، فيما باتت أطراف إقليمية كإيران وحزب الله والحوثيين تحتل موقعًا متقدمًا في خطاب الدفاع عن حقوق الفلسطينيين.

لقد انكسر وهم أن القضية انتهت أو أصبحت ورقة للمساومة. الاحتلال الذي تجاهل الحقوق الفلسطينية لعقود، وجد نفسه أمام مقاومة لا تُقهر، وانتفاضة إقليمية متزايدة تتحدى تفوّقه المدعوم من الغرب.

الانهيار من الداخل

في الداخل الإسرائيلي، يتخذ الانهيار منحًى آخر. حكومة بنيامين نتنياهو لم تعد شريكًا موثوقًا لا في واشنطن ولا في العواصم الأوروبية. فهي تفتقد للشفافية، وتوظف الحرب كأداة سياسية لإطالة عمرها، غير آبهة بالأكلاف البشرية أو الأخلاقية.

لقد أساء نتنياهو استخدام الدعم الأمريكي إلى حد تقويض هذا الدعم ذاته. فصور المستشفيات المحروقة في غزة، والأطفال الجائعين، حولت دولة الاحتلال من ضحية مزعومة إلى معتدية في نظر شعوب العالم، بل وأوساط متزايدة داخل المؤسسات الغربية نفسها.

ومع تزايد الضغط الشعبي في الغرب، وجدت تل أبيب نفسها أمام عزلة سياسية متنامية. محاولات تحويل الأنظار نحو “التهديد الإيراني” لم تُقنع سوى قلة، خاصة في ظل ازدواجية المعايير التي تتعامل بها دولة الاحتلال مع الالتزامات النووية.

فدولة الاحتلال تطالب العالم بكبح جماح طهران، بينما ترفض الانضمام إلى معاهدة عدم الانتشار النووي وتحتفظ بترسانة سرّية تتهرب من التفتيش الدولي.

ورغم محاولاتها الأخيرة للعودة إلى رواية “الضحية” بعد استهدافها من إيران، فإن الثقة الممنوحة لها بدأت تتآكل بشكل غير مسبوق.

كما أن الحرب الإعلامية والسياسية التي تخوضها دولة الاحتلال اليوم ليست فقط ضد أعدائها التقليديين، بل أيضًا ضد تراجع مصداقيتها كشريك شرعي في النظام العالمي. ازدواجية الخطاب، وتوظيف الدين والديمقراطية كغطاء للقتل الجماعي، لم تعد تنطلي على كثيرين.

تبدو دولة الاحتلال اليوم وكأنها تدير المنطقة كأنها حقل تجارب لسياستها الأمنية. لكن الشرق الأوسط ليس مختبرًا للسياسات الإسرائيلية. إنه موطن لشعوب لها حق الحياة والسيادة، ترفض أن تكون ضحية لحروب متكررة تُشنّ تحت لافتة “الدفاع عن النفس” بينما تُمارَس بأقصى درجات الهجوم.

ترميم ردع متهالك

ختمت الغارديان بأن الحرب التي تشنها دولة الاحتلال على غزة بلا نهاية، والحرب على إيران التي يصعب تصوّر أنها ستكون محدودة، تُظهر فشلًا في التخطيط ونزعة إلى التصعيد الدائم كبديل عن السياسة.

أما الخطر الأكبر، فهو أن دولة الاحتلال لا تمتلك اليوم خريطة طريق حقيقية. تصعيدها ضد إيران، مثلما فعلت في غزة، ليس سوى محاولة يائسة لترميم ردع متهالك، وسط بيئة لم تعد تصدّق سردياتها.

في نهاية المطاف، يبدو أن “الحرب الحقيقية” التي تخوضها دولة الاحتلال ليست ضد إيران أو المقاومة الفلسطينية أو حزب الله، بل ضد الزمن. ضد فكرة أن سياسات الاحتلال والهيمنة والقتل الجماعي يمكن أن تستمر إلى الأبد دون كلفة.

وخصت الغارديان إلى أن دولة الاحتلال تخسر على مستوى الشرعية، على مستوى الحلفاء، وعلى مستوى الداخل. وهذا هو أخطر ما في المشهد: احتلال مسلح، محاصر، غارق في أوهامه، ولا يعرف كيف يتوقف.

شاهد أيضاً

صواريخ الحاج قاسم تغير معادلة الحرب داخل حدود الاحتلال ، الوعد الصادق3 ، بقلم : بديعة النعيمي

صواريخ الحاج قاسم تغير معادلة الحرب داخل حدود الاحتلال..الوعد الصادق3 ، بقلم : بديعة النعيمي …